للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ.

وَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ لِمَا غَصَبَ فَإِنْ رَدَّ ذَلِكَ بِحَالِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَإِنْ تَغَيَّرَ فِي يَدِهِ فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ بِنَقْصِهِ أَوْ تَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ.

وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ بِتَعَدِّيهِ خُيِّرَ أَيْضًا فِي أَخْذِهِ وَأَخَذَ مَا نَقَصَهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ.

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمُلْتَقِطِ لِلطِّفْلِ نَفَقَتُهُ وَحَضَانَتُهُ الذَّكَرُ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، وَالْأُنْثَى حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ الْمُوسِرُ كَوَلَدِ الصُّلْبِ، وَأَسْقَطَ الْكَلَامَ عَلَى الْآبِقِ وَهُوَ رَقِيقٌ مُحْتَرَمٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ يُعَرِّفُ سَيِّدَهُ أَخْذُهُ وَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْهُ لَا يُنْدَبُ لَهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ فَلَهُ رَفْعُهُ لِلْحَاكِمِ وَلَهُ إرْسَالُهُ.

[التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى اللُّقَطَةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِقَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ فَقَالَ: (وَ) كُلُّ (مَنْ اسْتَهْلَكَ عَرْضًا) الْمُرَادُ شَيْئًا غَيْرَ مِثْلِيٍّ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْمِثْلِيِّ (فَعَلَيْهِ) غُرْمُ (قِيمَتِهِ) لِرَبِّهِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ خَطَأً وَلَوْ غَيْرَ بَالِغٍ وَلَوْ مُكْرَهًا، لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ، وَتَكُونُ تِلْكَ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ الْحُرِّ وَفِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْغَيْرِ الْمَأْذُونِ وَغَيْرِ الْمُؤْتَمَنِ، وَالْمُرَادُ بِاسْتَهْلَكَ أَيْ تَسَبَّبَ فِي الْإِهْلَاكِ وَلَوْ لَمْ يُبَاشِرْ، وَمَحَلُّ ضَمَانِ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ إذَا لَمْ يُؤْمَنَا عَلَى مَا أَتْلَفَا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَصُونَا بِهِ مَالَهُمَا فَيَضْمَنَانِ فِي الْمَصُونِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُؤَمَّنُ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ فِي ذِمَّتِهِمَا يَتْبَعَانِ إنْ عَتَقَا كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ عَرْضًا عَلَى فَسَّرْنَا بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ مَا يُوزَنُ) كَسَمْنٍ وَعَسَلٍ وَنُحَاسٍ (أَوْ يُكَالُ) كَقَمْحٍ أَوْ يُعَدُّ وَلَا تَخْتَلِفُ أَفْرَادُهُ وَأَتْلَفَهُ شَخْصٌ أَوْ تَسَبَّبَ فِي إتْلَافِهِ. (فَعَلَيْهِ) غُرْمٌ (مِثْلُهُ) فِي مَوْضِعِ إتْلَافِهِ لِمَالِكِهِ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ تَقُومُ مَقَامَ مِثْلِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ فِي الْغَلَاءِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ وَعَكْسُهُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ.

قَالَ خَلِيلٌ فِي بَيَانِ مَفْعُولِ: وَضَمِنَ الْغَاصِبُ بِالِاسْتِيلَاءِ الْمِثْلِيَّ وَلَوْ بِغَلَاءٍ وَصَبْرٍ لِوُجُودِهِ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ غُرْمٌ مِثْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ أَوْ كَيْلُهُ مَعْلُومٌ، وَأَمَّا لَوْ جَهِلَ كَيْلَهُ أَوْ وَزْنَهُ أَوْ عَدَدَهُ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ مِثْلِهِ، لِأَنَّ الْجُزَافَ كَالْمُقَوَّمِ الْوَاجِبِ عَلَى مُتْلِفِهِ قِيمَتُهُ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ حَيْثُ كَانَ مُتْلِفُهُ غَيْرَ مَالِكِهِ، وَأَمَّا الْمَالِكُ يَبِيعُ صُبْرَةً عَلَى الْكَيْلِ ثُمَّ يُتْلِفُهَا قَبْلَ كَيْلِهَا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا لِيُوَفِّيَهُ لِلْمُشْتَرِي.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَنْ أَتْلَفَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ حَيْثُ كَانَ الْمَالِكُ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُ بِأَنْ كَانَ رَشِيدًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمُتْلِفُ مُؤْتَمَنًا عَلَى مَا أَتْلَفَهُ وَإِلَّا ضَمِنَهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ، كَمَا قَدَّمْنَا التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ، وَمِنْ الْإِذْنِ الْمَرِيضُ يَأْذَنُ لِلطَّبِيبِ الْحَاذِقِ فِي طِبِّهِ فَيَطِبُّهُ فَيَمُوتُ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرِهِ، وَمُؤَدِّبُ الْأَطْفَالِ يَأْذَنُ لَهُ الْوَلِيُّ فِي التَّأْدِيبِ، وَالْحَاكِمُ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مُسْتَوْجِبِهِ فَيَمُوتُ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ حَيْثُ فَعَلَ كُلَّ الْمَطْلُوبِ مَعَ ظَنِّهِ السَّلَامَةَ.

الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُقَوَّمِ الْقِيمَةُ وَفِي الْمِثْلِيِّ الْمِثْلُ قَاعِدَةُ أَغْلَبِيَّةٍ لَا كُلِّيَّةٍ خِلَافًا، فَالظَّاهِرُ لَفْظُهُ لِأَنَّ الْمُقَوَّمَ قَدْ يَجِبُ مِثْلُهُ، وَذَلِكَ فِيمَنْ أَتْلَفَ سِلْعَةً وُقِفَتْ عَلَى ثَمَنِ الْوَاجِبِ مِثْلُ الثَّمَنِ لَا غُرْمُ قِيمَتِهَا، وَالْمِثْلِيُّ قَدْ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَالْجُزَافِ قَبْلَ مَعْرِفَةٍ كَمِّيَّتِهِ يَجِبُ عَلَى مُتْلِفِهِ غُرْمُ قِيمَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا.

[بَاب الْغَصْب]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَعْضِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْغَصْبِ وَهُوَ أَخْذُ الْمَالِ قَهْرًا تَعَدِّيًا بِلَا حِرَابَةٍ بِقَوْلِهِ (وَالْغَاصِبُ) وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ صَاحِبِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي. (ضَامِنٌ لِمَا) أَيْ لِكُلِّ شَيْءٍ (غَصَبَ) وَمَعْنَى ضَمَانِهِ تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهِ لَا أَنَّهُ تَضَمَّنَهُ بِالْفِعْلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (فَإِنْ رَدَّ) الْغَاصِبُ (ذَلِكَ) الَّذِي غَصَبَ قَائِمًا (بِحَالِهِ) أَيْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِنَقْصٍ فِي بَدَنِهِ إذْ لَا تُعْتَبَرُ حَوَالَةُ أَسْوَاقِهِ. (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِرَبِّهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ تَأْدِيبُهُ وَلَوْ صَبِيًّا اسْتِصْلَاحًا لِحَالِهِ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ رَبُّ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ لِأَنَّ الْأَدَبَ حَقٌّ لِلَّهِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ لِحُرْمَةِ الْغَصْبِ كِتَابًا وَسُنَّةً وَإِجْمَاعًا، فَالْكِتَابُ {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] {وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة: ١٩٠] ، الْآيَةَ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَمَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. أَجْمَعَ كُلُّ الْمِلَلِ عَلَى حُرْمَتِهِ.

أَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ فَإِنْ رَدَّهُ بِحَالِهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ تَغَيَّرَ) الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ غَاصِبِهِ. (فِي يَدِهِ) بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ لَا صُنْعَ لِأَحَدٍ فِيهِ (فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ بِنَقْصِهِ) مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ كَثِيرًا. (أَوْ تَضْمِينِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (الْقِيمَةَ) يَوْمَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ.

وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ التَّغَيُّرِ بِالسَّمَاوِيِّ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ) الْحَاصِلُ فِي بَدَنِ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ (بِتَعَدِّيهِ) أَيْ الْغَاصِبِ أَيْ بِفِعْلِهِ وَلَوْ خَطَأً لِأَنَّهُ كَالْعَمْدِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ كَدَابَّةٍ غَصَبَهَا فَاسْتَعْمَلَهَا فِي طَحْنٍ أَوْ رُكُوبٍ لَوْ لَمْ يَخْرِقْ فِيهِ فَتَعَيَّبَتْ فِي بَدَنِهَا. (خُيِّرَ) رَبُّهُ (أَيْضًا فِي أَخْذِهِ) نَاقِصًا. (وَأَخْذِ) أَيْ مَعَ أَخْذِ (مَا نَقَصَهُ) أَيْ أَرْشَ نَقْصِهِ بِأَنْ يُقَوَّمَ سَالِمًا مِنْ هَذَا النَّقْصِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا قَبْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ قِيلَ: قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، يُقَالُ: مَا قِيمَتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>