للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُرْحٍ.

وَلَا فِي عَبْدٍ.

وَلَا بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَلَا فِي قَتِيلٍ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ.

أَوْ وُجِدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ.

وَقَتْلُ الْغِيلَةِ لَا عَفْوَ فِيهِ.

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمَسْجِدُ قَرِيبًا مِنْ بَلَدِهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الْأَمْيَالُ الْيَسِيرَةُ،

[مَا تَكُون فِيهِ الْقَسَامَة]

وَالْفَرْقُ بَيْنَ تِلْكَ الْقَسَامَةِ قَتْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ شَرَعَ مِنْ مَفَاهِيمِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا قَسَامَةَ) مَشْرُوعَةً (فِي جُرْحٍ) بِالضَّمِّ لِأَنَّ الْمُرَادَ الِاسْمُ وَهَذَا مَفْهُومُ قَتْلٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تُشْرَعْ الْقَسَامَةُ فِي الْجُرْحِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَكَمَ بِهَا فِي النَّفْسِ، وَإِذَا قُلْنَا بِنَفْيِ الْقَسَامَةِ فِي الْجُرْحِ فَتَارَةً يَكُونُ عَمْدًا وَتَارَةً يَكُونُ خَطَأً، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ يُوجَدَ شَاهِدٌ فَقَطْ، فَإِنْ ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ فَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ أَوْ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ وَيُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ، وَهِيَ إحْدَى مُسْتَحْسَنَاتِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِنْ تَجَرَّدَتْ الدَّعْوَى عَنْ الشَّاهِدِ فَقِيلَ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَحْلِفُ،

وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِنَا حُرٌّ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) قَسَامَةَ (فِي عَبْدٍ) وُجِدَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ وَهُوَ يَقُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَلَوْ شَهِدَ عَلَى قَوْلِهِ عَدْلَانِ لِأَنَّهُ مَالٌ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ بِشَاهِدَيْنِ غَرِمَ قِيمَتَهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَإِنْ شَهِدَ عَدْلٌ أَوْ امْرَأَتَانِ حَلَفَ سَيِّدُهُ يَمِينًا وَأَخَذَ قِيمَتَهُ أَيْضًا وَيُضْرَبُ الْقَاتِلُ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةً،

وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ الْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) قَسَامَةَ أَيْضًا (بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ) وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وُجِدَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ وَهُوَ يَقُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ الْمُسْلِمِ وَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ عَدْلَانِ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ، لِأَنَّ الْقَسَامَةَ سَبَبُهَا قَتْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْكَافِرِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَتَلَهُ بِشَاهِدَيْنِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ دِيَتَهُ فِي الْعَمْدِ مِنْ مَالِهِ وَمَعَ الْعَاقِلَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا شَاهِدٌ فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَأْخُذُ دِيَتَهُ وَيُضْرَبُ الْجَانِي مِائَةً فِي الْعَمْدِ وَيُحْبَسُ سَنَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا دَعْوَى وَلِيِّ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جَرْحِ أَوْ قَتْلِ كَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ جَنِينٍ حَلَفَ وَاحِدَةً وَأَخَذَ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ، وَالْمُرَادُ الدِّيَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَهِيَ الْمَالُ الْمُؤَدَّى، فَيَشْمَلُ دِيَةَ الْجُرْحِ وَقِيمَةَ الْعَبْدِ وَالْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ وَالدِّيَةَ الْحَقِيقِيَّةَ إنْ اسْتَهَلَّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ قَتْلِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْجَنِينِ الْحُرِّ حُكْمُ الْجِرَاحِ، فَمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جُرْحٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، أَوْ عَلَى قَتْلِ كَافِرٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، أَوْ عَلَى قَتْلِ عَبْدٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، أَوْ عَلِمَ قَتْلَ جَنِينٍ حُرٍّ عَمْدًا أَوْ خَطَأً يُرِيدُ وَنَزَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَأْخُذُ دِيَةَ ذَلِكَ وَيَقْتَصُّ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِي الْجُرْحِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ فِي الْجُرْحِ إلَّا عِنْدَ الْمُكَافَأَةِ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعَى بَرِئَ الْجَارِحُ إنْ حَلَفَ وَإِلَّا حُبِسَ فِي جُرْحِ الْعَمْدِ وَغَرِمَ فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ الْكَافِرُ الْمَنْفُوذُ الْمَقَاتِلِ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ الْكَافِرِ وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّا لَا نُوجِبُ عَلَيْهِمْ قَسَامَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانِ الْكَافِرِ فَإِنَّ فِيهِ الْقَسَامَةَ وَيَسْتَحِقُّونَ الْقِصَاصَ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ دَمُ مُسْلِمٍ بِالْقَسَامَةِ فِي مَحَلِّهَا.

(وَلَا) قَسَامَةَ أَيْضًا (فِي قَتِيلٍ وُجِدَ) مَطْرُوحًا (بَيْنَ الصَّفَّيْنِ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْبَاغِي كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَيَكُونُ دَمُهُ هَدَرًا، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الْمَقْتُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ انْفَصَلَتْ بُغَاةٌ عَنْ قَتْلَى وَلَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ فَهَلْ لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ مُطْلَقًا، أَوْ إنْ تَجَرَّدَ عَنْ تَدْمِيَةٍ وَشَاهِدٍ أَوْ عَنْ الشَّاهِدِ فَقَطْ تَأْوِيلَاتٌ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ الْقَاتِلُ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ عَلَى عَيْنِهِ لَاقْتُصَّ مِنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ، وَقَيَّدَنَا الصَّفَّيْنِ بِالْمُسْلِمَيْنِ لِإِخْرَاجِ مَنْ وُجِدَ مَطْرُوحًا بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُحَارِبِينَ فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا: الْبَاغِي كُلٌّ مِنْهُمَا؛ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ قِتَالِ أَحَدِهِمَا مَعَ تَأْوِيلِ شُبْهَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِنْ تَأَوَّلُوا فَهَدَرٌ كَزَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ التَّأْوِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ ظَنَّتْ كُلُّ طَائِفَةٍ جَوَازَ قِتَالِهَا لِلْأُخْرَى لِكَوْنِهَا أَخَذَتْ مَالَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَدَمُ كُلٍّ مِنْهُمَا هَدَرٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ التَّأْوِيلُ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي دَمِ الْمُتَأَوِّلَةِ وَدَمُ الْمُتَعَمِّدَةِ يَكُونُ هَدَرًا.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ كَخَلِيلٍ عَنْ الْمَقْتُولِ فِي الِازْدِحَامِ فِي نَحْوِ السُّوقِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ عِنْدَ دَفْعِ النَّاسِ مِنْ عَرَفَةَ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ هَدَرًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَاتِلٌ يُتَّبَعُ مَعَ الْإِذْنِ فِي الِاجْتِمَاعِ فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ.

(أَوْ) أَيْ وَكَذَا لَا قَسَامَةَ فِي قَتِيلٍ (وُجِدَ) مَطْرُوحًا (فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ) أَيْ قَرْيَتِهِمْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مُتَّهَمٌ بِالْقَتْلِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْ اللَّوْثِ وُجُودُهُ بِقَرْيَةِ قَوْمٍ أَوْ دَارِهِمْ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ لَوْثًا لَكَانَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَذِيَّةَ غَيْرِهِ يَقْتُلُ شَخْصًا وَيَطْرَحُهُ فِي دَارِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ، وَلِأَنَّ الشَّأْنَ وَالْعَادَةَ أَنَّ مَنْ يَقْتُلُ شَخْصًا لَا يُبْقِيهِ فِي مَحَلِّهِ.

وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْمَقْتُولُ مَطْرُوقًا لِمُرُورِ النَّاسِ فِيهِ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَا يَمُرُّ فِيهِ إلَّا أَهْلُهُ وَوُجِدَ فِيهِ شَخْصٌ مَقْتُولٌ مِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَوْثًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَضِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَإِنَّهُ وُجِدَ مَقْتُولًا فِي خَيْبَرَ، «وَخَيَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ ابْنَيْ عَمِّهِ مَعَ أَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الْقَسَامَةِ» ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ خَيْبَرَ لَمْ يَدْخُلْهَا إذْ ذَاكَ إلَّا الْيَهُودُ كَمَا أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَرَّ.

وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا: وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ إلَخْ عَنْ بَعْضِ أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَرُؤْيَتِهِ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>