للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْجَائِفَةُ.

وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ إلَّا الِاجْتِهَادُ وَكَذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْجَسَدِ.

وَلَا يُعْقَلُ جُرْحٌ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ وَمَا بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ مِمَّا دُونَ الْمُوضِحَةِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ.

وَفِي الْجِرَاحِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ.

إلَّا فِي الْمَتَالِفِ مِثْلُ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْفَخِذِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالصُّلْبِ وَنَحْوِهِ فَفِي كُلِّ ذَلِكَ الدِّيَةُ.

وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قَتْلَ عَمْدٍ وَلَا اعْتِرَافًا بِهِ.

ــ

[الفواكه الدواني]

لَهَا الْفَرَاشُ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْفَرَاشُ الْعِظَامُ الرِّقَاقُ يَرْكَبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فِي أَعْلَى الْخَيَاشِيمِ كَقِشْرِ الْبَصَلِ تَطِيرُ عَنْ الْعَظْمِ إذَا ضُرِبَ، فَمِنْ فِي كَلَام الْمُصَنِّفِ بَيَانِيَّةٌ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْفَرَاشُ الَّذِي هُوَ الْعَظْمُ.

وَأَشَارَ إلَى مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ: وَلَمْ يَصِلْ إلَى الدِّمَاغِ بِقَوْلِهِ: (وَ) أَمَّا (مَا وَصَلَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الدِّمَاغِ وَلَمْ يَخْرِقْ خَرِيطَتَهُ أَيْ جِلْدَتَهُ (فَهِيَ الْمَأْمُومَةُ فَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ بَعِيرًا وَثُلُثُ بَعِيرٍ، وَمِنْ الذَّهَبِ ثَلَاثُمِائَةِ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَثُلُثُ دِينَارٍ، وَمِنْ الْفِضَّةِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ.

(وَكَذَلِكَ الْجَائِفَةُ) فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَهِيَ مَا وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الظَّهْرِ أَوْ الْبَطْنِ وَلَوْ قَدْرَ مَدْخَلِ الْإِبْرَةِ، وَأَمَّا الضَّرْبَةُ الَّتِي تَخْرِقُ الْبَطْنَ وَلَمْ تَصِلْ إلَى الْجَوْفِ فَفِيهَا الْحُكُومَةُ، فَإِنْ نَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ تَعَدَّدَتْ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِجَائِفَةٍ نَفَذَتْ كَتَعَدُّدِ الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْآمَّةِ إنْ لَمْ تَتَّصِلْ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ بِغَوْرٍ فِي ضَرَبَاتٍ، وَمِثْلُ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ الدَّامِغَةُ وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ.

(تَنْبِيهٌ) كُلُّ مَا فِيهِ شَيْءٌ مُقَرَّرٌ عَنْ الشَّارِعِ يَجِبُ دَفْعُ وَاجِبِهِ وَلَوْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ،

بِخِلَافِ مَا لَمْ يُقَرِّرْ فِيهِ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا إذَا بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ) مِنْ الْجِرَاحَاتِ السِّتِّ إذَا كَانَتْ خَطَأً.

(إلَّا الِاجْتِهَادَ) وَهُوَ الْحُكُومَةُ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَ بُرْئِهِ خَوْفَ أَنْ يَتَرَامَى إلَى النَّفْسِ أَوْ إلَى مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ عَبْدًا سَالِمًا مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجِنَايَةِ مِنْ حُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا، ثُمَّ يُقَوَّمُ ثَانِيًا مَعِيبًا بِتِسْعَةٍ مَثَلًا، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ بِالْعُشْرِ، فَيَجِبُ عَلَى الْجَانِي بِتِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الدِّيَةِ وَهُوَ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي هَذَا الْمِثَالِ فَالْحُكُومَةُ الْمُرَادُ بِهَا الْمَحْكُومُ بِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي الْجِرَاحِ حُكُومَةٌ بِنِسْبَةِ نُقْصَانِ الْجِنَايَةِ إذَا بَرِئَ مِنْ قِيمَتِهِ عَبْدًا فَرْضًا مِنْ الدِّيَةِ وَفِي عَمْدِهَا الْقِصَاصُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَاقْتُصَّ مِنْ مُوضِحَةٍ أَوْضَحَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدَّيْنِ وَإِنْ كَإِبْرَةٍ، وَسَابِقُهَا مِنْ دَامِيَةٍ وَحَارِصَةٍ شَقَّتْ الْجِلْدَ وَسِمْحَاقٍ كَشَطَتْهُ وَبَاطِحَةٍ شَقَّتْ اللَّحْمَ وَمُتَلَاحِمَةٍ غَاصَتْ فِيهِ بِتَعَدُّدٍ وَمِلْطَاةٍ قَرُبَتْ لِلْعَظْمِ، فَالثَّلَاثُ الْأُوَلُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِلْدِ، وَالثَّلَاثُ الَّذِي بَعْدَهَا بِاللَّحْمِ.

(وَكَذَلِكَ) لَيْسَ (فِي) بَقِيَّةِ (جِرَاحِ الْجَسَدِ) الْخَطَإِ إلَّا الِاجْتِهَادُ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا شَيْئًا، لِأَنَّ الَّذِي قَرَّرَ الشَّارِعُ فِيهِ شَيْئًا يَجِبُ دَفْعُهُ مِنْ غَيْرِ حُكُومَةٍ.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ لُزُومُ وَاجِبِ الْجِنَايَةِ سَرِيعًا وَكَانَتْ الْوَاقِعَةُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مُخَالِفَةً قَالَ: (وَلَا يُعْقَلُ) بِلَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ (جُرْحٌ) وَمَعْنَى لَا يُعْقَلُ لَا يُؤْخَذُ لَهُ دِيَةٌ وَلَا حُكُومَةٌ (إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ) خَوْفًا مِنْ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ فَيَؤُولُ الْأَمْرُ إلَى النَّفْسِ، وَلِيَظْهَرَ هَلْ يَبْرَأُ عَلَى شَيْنٍ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ الْبُرْءَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فِيهِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَا بَرِئَ) مِنْ الْجِرَاحَاتِ (عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ) أَيْ، قُبْحٍ (مِمَّا دُونَ الْمُوضِحَةِ) أَيْ مِنْ سِوَى الْمُوضِحَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ الشَّارِعُ شَيْئًا وَيَدْخُلُ فِيهِ سَابِقُ الْمُوضِحَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ السِّتِّ، لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا شَيْئًا مَعْلُومًا.

(فَلَا شَيْءَ فِيهِ) وَأَمَّا مَا قَرَّرَ الشَّارِعُ فِيهِ شَيْئًا فَالْوَاجِبُ الْمُقَرَّرُ بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ أَمْ لَا؟ قَالَ خَلِيلٌ: إلَّا الْجَائِفَةُ وَالْآمَّةُ فَثُلُثٌ، وَالْمُوضِحَةُ فَنِصْفُ عُشْرٍ، وَالْمُنَقِّلَةُ وَالْهَاشِمَةُ فَعُشْرٌ وَنِصْفُهُ وَإِنْ بِشَيْنٍ فِيهِنَّ أَيْ فَلَا يَلْزَمُ فِي الشَّيْنِ حُكُومَةٌ إلَّا الْمُوضِحَةَ، فَإِنَّهَا إذَا بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ وَهِيَ فِي الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ يَجِبُ دَفْعُ دِيَتِهَا وَحُكُومَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

[الْقِصَاص فِي الْجِرَاح]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْجِرَاحَاتِ الْوَاقِعَةِ خَطَأً الدَّالِّ عَلَيْهِ وُجُوبُ الِاجْتِهَادِ وَالْعَقْلُ فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ فِي الْخَطَإِ غَالِبًا شَرَعَ فِي حُكْمِ الْعَمْدِ بِقَوْلِهِ: (وَ) الْوَاجِبُ (فِي الْجِرَاحِ) الْوَاقِعَةِ فِي الرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ بَاقِي الْجَسَدِ (الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ) بِالْمِسَاحَةِ إنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ فَقِيَاسُ الْجُرْحِ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا، فَقَدْ تَكُونُ الْجِرَاحَةُ نِصْفَ عُضْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهِيَ جُلُّ عُضْوِ الْجَانِي أَوْ كُلُّهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَظُمَ عُضْوُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى عُضْوِ الْجَانِي فَإِنَّهُ لَا يُكَمَّلُ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ يَسْقُطُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَاقْتُصَّ مِنْ مُوضِحَةٍ إلَى أَنْ قَالَ: وَجِرَاحُ الْجَسَدِ وَإِنْ مُنَقِّلَةً بِالْمِسَاحَةِ إنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ كَطَبِيبٍ زَادَ عَمْدًا، وَإِلَّا فَالْعَقْلُ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الطَّبِيبُ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْجَانِي الْعَقْلُ، وَمَفْهُومُ الْجِرَاحِ مِنْ اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ بِآلَةٍ لَا تَجْرَحُ وَلَمْ يَنْشَأْ عَنْهَا جُرْحٌ لَا قِصَاصَ فِيهَا وَإِنَّمَا فِيهَا التَّأْدِيبُ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ نَتْفُ اللِّحْيَةِ أَوْ الشَّارِبِ أَوْ شَعْرِ الْحَاجِبِ فَإِنَّ عَمْدَ هَذِهِ وَخَطَأَهَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْحُكُومَةُ إذَا لَمْ تَعُدْ لِهَيْئَتِهَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهَا، سُوءُ الْأَدَبِ فِي الْعَمْدِ.

وَلَمَّا كَانَ الْقِصَاصُ فِي عَمْدِ جِرَاحَاتِ الْجَسَدِ مُقَيَّدًا بِعَدَمِ خَوْفِ هَلَاكِ النَّفْسِ قَالَ: (إلَّا فِي) الْجِرَاحَاتِ (الْمَتَالِفِ) أَيْ يَغْلِبُ مَعَهَا الْمَوْتُ سَرِيعًا فَلَا قِصَاصَ فِي عَمْدِهَا، بَلْ الْوَاجِبُ الْعَقْلُ فِي عَمْدِهَا كَخَطَئِهَا مَعَ الْأَدَبِ فِي الْعَمْدِ.

(مِثْلُ الْمَأْمُومَةِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا مَا أَفْضَتْ لِلدِّمَاغِ (وَالْجَائِفَةِ) وَهِيَ مَا أَفْضَتْ لِلْجَوْفِ وَلَوْ قَدْرَ مَدْخَلِ إبْرَةٍ.

(وَالْمُنَقِّلَةِ) وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>