للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْحِرَابَةِ وَالْغِيلَةِ وَإِنْ وَلِيَ الْقَتْلَ بَعْضُهُمْ.

وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ فِي الْخَطَإِ وَاجِبَةٌ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ وَيُؤْمَرُ بِذَلِكَ إنْ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْعَمْدِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ.

وَيُقْتَلُ الزِّنْدِيقُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَهُوَ الَّذِي يُسِرُّ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ.

وَكَذَلِكَ السَّاحِرُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ.

وَيُقْتَلُ مَنْ ارْتَدَّ إلَّا أَنْ يَتُوبَ وَيُؤَخَّرَ لِلتَّوْبَةِ ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ.

وَمَنْ لَمْ يَرْتَدَّ

ــ

[الفواكه الدواني]

أُنْثَى أَوْ رَقِيقًا أَوْ ذِمِّيًّا وَلَوْ لَمْ يَحْصُلُ مِنْهُمْ تَمَالُؤٌ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى قَتْلِهِ.

(فِي الْحِرَابَةِ) أَيْ بِسَبَبِ قَتْلِهِ فِي حَالِ الْحِرَابَةِ وَحَقِيقَتُهَا قَطْعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ السُّلُوكِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ الْمَعْصُومِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ أَوْ الْقَتْلُ خُفْيَةً فَقَوْلُهُ: (وَالْغِيلَةُ) وَهِيَ الْقَتْلُ لِأَخْذِ الْمَالِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّهَا نَوْعُ الْحِرَابَةِ.

(وَ) هَذَا وَاضِحٌ (إنْ وَلِيَ الْقَتْلَ) جَمِيعُهُمْ بَلْ وَإِنْ وَلِيَهُ (بَعْضُهُمْ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَمَالُؤٌ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْحِرَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْوَاحِدِ إلَّا إنْ تَمَالَئُوا عَلَى قَتْلِهِ ابْتِدَاءً أَوْ بَاشَرَ جَمِيعُهُمْ الْقَتْلَ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ ضَرَبَاتُهُمْ وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْ كُلٍّ كَفِعْلِهِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْحِرَابَةَ أَشَدُّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ الْحُرَّ يُقْتَلُ فِيهَا بِالنَّصْرَانِيِّ أَوْ الْعَبْدِ؟ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ فِيهَا عَنْ الْقَاتِلِ، وَلَا يَسْقُطُ قَتْلُهُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ عَنْهَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ أَحْكَامِهَا لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَّقَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا.

[أَحْكَامِ كَفَّارَة الْقَتْل]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ الْقَتْلِ وَالدِّيَاتِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِهِ: (وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ فِي) أَيْ بِسَبَبِ الْقَتْلِ (الْخَطَإِ وَاجِبَةٌ) وُجُوبَ الْفَرَائِضِ يُثَابُ الْمُخْرِجُ لَهَا عَلَى فِعْلِهَا وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا وَهِيَ (عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ وَلَيْسَ فِيهَا شَرَكٌ وَلَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ كَرَقَبَةِ الظِّهَارِ.

(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ يَسْتَطِعْ الْعِتْقَ (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَجَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي رَقَبَةِ الظِّهَارِ وَالصَّوْمِ يُطْلَبُ هُنَا، وَمَا يَمْتَنِعُ هُنَاكَ يَمْتَنِعُ هُنَا، فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ الصَّوْمَ فَإِنْ أَفْطَرَ عَمْدًا ابْتَدَأَهُ وَأَمَّا لَوْ أَفْطَرَ نِسْيَانًا أَوْ لِحَيْضٍ أَوْ لِمَرَضٍ فَلَا يَبْتَدِئُهُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصِلَ صَوْمَهُ بَعْدَ زَوَال الْمَرَضِ أَوْ الْحَيْضِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ عِتْقًا انْتَظَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا إطْعَامٌ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ مِنْ الْقَاتِلِينَ وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِشَرْطِ حُرِّيَّةِ الْمَقْتُولِ وَإِسْلَامِهِ وَعِصْمَتِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَعَلَى الْقَاتِلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَإِنْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ شَرِيكًا إذَا قَتَلَ مِثْلَهُ مَعْصُومًا خَطَأً عِتْقُ رَقَبَةٍ وَبِعَجْزِهَا شَهْرَانِ كَالظِّهَارِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى عَبْدٍ وَلَا كَافِرٍ وَلَا فِي قَتْلِ غَيْرِ مَعْصُومٍ كَزَانٍ مُحْصَنٍ وَمُرْتَدٍّ وَزِنْدِيقٍ، وَلَا فِي عَبْدٍ وَلَا كَافِرٍ وَتُؤْخَذُ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ كَالزَّكَاةِ، وَلَوْ أَعْسَرَ كُلٌّ فَالظَّاهِرُ انْتِظَارُ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ حَتَّى يَصُومَا، وَإِنَّمَا وُجِدَتْ الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ مَعَ عَدَمِ إثْمِ الْقَاتِلِ لِخَطَرِ أَمْرِ الدِّمَاءِ، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَإِنَّمَا وَجَبَتْ مَعَ عَدَمِ إثْمِ الْحَالِفِ كَالْحَانِثِ بِالنِّسْيَانِ لِلزَّجْرِ عَنْ التَّحَرِّي عَلَى الْحَلِفِ، وَمَفْهُومُ الْخَطَإِ أَنَّ الْقَاتِلَ (يُؤْمَرُ بِذَلِكَ) أَيْ بِإِخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ نَدْبًا (إنْ عُفِيَ عَنْهُ فِي) قَتْلِ (الْعَمْدِ) وَالدَّلِيلُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ قَوْلُهُ: (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) لِعِظَمِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْإِثْمِ فَهُوَ كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ الَّذِي لَا يُكَفِّرُهُ إلَّا النَّارُ أَوْ عَفْوُ الْبَارِي، فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى التَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ بِالْكَفَّارَةِ وَبِكُلِّ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَتْ فِي جَنِينٍ وَرَقِيقٍ وَعَمْدٍ وَعَبْدٍ وَذِمِّيٍّ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ فِي قَتْلِ الرَّقِيقِ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَكَذَا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الَّذِي لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَكَذَا فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ وَلَوْ قَتَلَهُ خَطَأً.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَحْكَامَ مَنْ يُقْتَلُ لِجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، شَرَعَ فِيمَنْ يُقْتَلُ لِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ ارْتَكَبَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ: (وَيُقْتَلُ) وُجُوبًا (الزِّنْدِيقُ حَدًّا) لَا كُفْرًا (وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ الَّذِي يُسِرُّ) أَيْ يُخْفِي (الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَقُتِلَ الْمُسْتَسِرُّ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا أَيْ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَمَالُهُ لِوَارِثِهِ وَهُوَ فَائِدَةُ قَتْلِهِ حَدًّا، وَشَرْطُ إرْثِهِ إنْ تَابَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ تَوْبَتُهُ لَا تُسْقِطُ قَتْلَهُ، وَمِثْلُ تَوْبَتِهِ إنْكَارُهُ لِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّنْدَقَةِ، وَأَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّنْدَقَةِ فَإِنَّهُ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَالِ الْمُرْتَدِّ وَلَا يَكُونُ قَتْلُهُ حَدًّا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْكُفْرُ الَّذِي سَتَرَهُ بِارْتِدَادٍ أَوْ سِحْرٍ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَيْ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ تَابَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ لَسَقَطَ قَتْلُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى قَتْلِ الزِّنْدِيقِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ: «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَى بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» .

فَإِنْ قِيلَ: الزِّنْدِيقُ هُوَ الْمُنَافِقُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الْمُنَافِقِينَ.

فَالْجَوَابُ، أَنْ يُقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ يَتْرُكُ قَتْلَهُمْ لِئَلَّا تَقُولَ قُرَيْشٌ: إنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِنَفْرَةِ النَّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَالْحَالُ أَنَّ شَأْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّأْلِيفُ لِأَجْلِ حُصُولِ الْإِسْلَامِ.

(وَكَذَلِكَ) يَجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>