للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَغْرِيبَ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى امْرَأَةٍ.

وَلَا يُحَدُّ الزَّانِي إلَّا بِاعْتِرَافٍ أَوْ بِحَمْلٍ يَظْهَرُ أَوْ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ عُدُولٍ يَرَوْنَهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ أَحَدُهُمْ الصِّفَةَ حُدَّ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ أَتَمُّوهَا.

[مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا]

وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ.

وَيُحَدُّ وَاطِئُ أَمَةِ وَالِدِهِ.

وَلَا يُحَدُّ وَاطِئُ أَمَةِ وَلَدِهِ وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ.

وَيُؤَدَّبُ الشَّرِيكُ

ــ

[الفواكه الدواني]

تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ أُجْرَةِ حَمْلِ الزَّانِي إلَى مَحَلِّ التَّغْرِيبِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَبَيَّنَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَمِنْهُ، وَمِثْلُهُ الْمُحَارِبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ.

الثَّانِي: قَالَ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ: وَانْظُرْ لَوْ زَنَى فِي الْمَكَانِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ أَوْ زَنَى الْغَرِيبُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ هَلْ يَكُونُ سَجْنُهُ فِي مَكَانِهِ الَّذِي زَنَى فِيهِ تَغْرِيبًا أَمْ لَا؟ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ تَأَنَّسَ فِي السِّجْنِ مَعَ الْمَسْجُونِينَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَوَحَّشْ بِهِ غَرَّبَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ يُسْجَنُ فِيهِ سَنَةً يَبْتَدِئُهَا مِنْ يَوْمِ الْخُرُوجِ الثَّانِي وَلَا يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى وَإِلَّا فَفِي سِجْنِهِ الْأَوَّلِ، وَالْغَرِيبُ إنْ كَانَ بِفَوْرِ نُزُولِهِ قَبْلَ تَأَنُّسِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي زَنَى بِهَا فَإِنَّهُ يُسْجَنُ فِيهَا سَنَةً وَإِلَّا أُخْرِجَ إلَى غَيْرِهَا.

وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْجَلْدُ فَقَطْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَعَلَى الْعَبْدِ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَإِنْ كَانَا مُتَزَوِّجَيْنِ) لِفَقْدِ شَرْطِ الْإِحْصَانِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتُشْطَرُ بِالرِّقِّ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] وَالْعَبْدُ مَقِيسٌ عَلَى الْأَمَةِ.

(وَلَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِمَا) أَيْ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لِمَا يَلْحَقُ سَيِّدَهُمَا مِنْ الضَّرَرِ.

(وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَغْرِيبَ (عَلَى امْرَأَةٍ) حُرَّةٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهَا الْجَلْدُ فَقَطْ، لِأَنَّ تَغْرِيبَهَا ذَرِيعَةٌ إلَى الْفَسَادِ وَلَوْ رَضِيَتْ بِالتَّغْرِيبِ أَوْ رَضِيَ زَوْجُهَا، كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُغَرَّبُ وَلَوْ رَضِيَ سَيِّدُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّقِيقِ الْمُحَارِبِ وَالْمَرْأَةِ الْمُحَارِبَةِ إذَا رَضِيَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِالنَّفْيِ فَلَهُمَا ذَلِكَ حَيْثُ وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ رُفْقَةً مَأْمُونَةً وَحَرَّرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُحَدُّ الزَّانِي إلَّا بِاعْتِرَافٍ) مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا حَيْثُ أَقَرَّ طَائِعًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَوْ مَرَّةً، خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَ فِي إقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ أَخْذًا بِحَدِيثِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ إذْ رَدَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.

لَنَا حَدِيثُ الْعَسِيفِ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَأَرْجُمْهَا فَغَدَا إلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ» فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَرَّةِ، وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ مَاعِزٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَنْكَرَ عَقْلَهُ وَلِذَلِكَ أَرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ مَرَّتَيْنِ يَسْأَلُهُمْ عَنْ عَقْلِهِ حَتَّى أَخْبَرُوهُ بِصِحَّتِهِ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ» وَسَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِعَ عَنْ إقْرَارِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَإِلَى طَرِيقٍ ثَانٍ لِلثُّبُوتِ بِقَوْلِهِ: (وَ) إلَّا (بِحَمْلٍ يَظْهَرُ بِغَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ) وَغَيْرِ ذَاتِ سَيِّدٍ مُقِرٍّ بِوَطْئِهَا، وَمِثْلُ الْخَالِيَةِ مِنْ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ ذَاتُ السَّيِّدِ أَوْ الزَّوْجُ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ فَزَوْجَةُ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ يَلْزَمُهَا الْحَدُّ، وَمِثْلُهَا الْمُتَزَوِّجَةُ بِمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لَكِنْ وَلَدَتْ لِمُدَّةٍ لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ فِيهَا بِزَوْجِهَا، كَمَا لَوْ وَضَعَتْ حَمْلًا كَامِلًا لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمِ الدُّخُولِ فَإِنَّهَا تُحَدُّ أَيْضًا، وَأَشَارَ إلَى طَرِيقٍ آخَرَ لِلثُّبُوتِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) إلَّا (بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ عُدُولٍ يَرَوْنَهُ) أَيْ ذَكَرَ الزَّانِي فِي فَرْجِهَا.

(كَالْمِرْوَدِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْمَيْلُ الدَّاخِلُ.

(فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ ظَرْفُ الْكُحْلِ.

(وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ بِوَقْتٍ وَرُؤْيَا اتَّحَدَا، فَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ سِتَّةٌ: يَكُونُ الشُّهُودُ أَرْبَعَةً وَكَوْنُهُمْ رِجَالًا وَبُلُوغُهُمْ وَعَدَالَتُهُمْ وَقَوْلُهُمْ: رَأَيْنَا فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُمْ: نَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا زَنَى بِفُلَانَةَ، وَأَنْ تَتَّفِقَ شَهَادَتُهُمْ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَإِذَا وُجِدَتْ تِلْكَ الشُّرُوطُ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِبَقَاءِ عُذْرَتِهَا، بِخِلَافِ لَوْ شَهِدَ عَلَى بَقَائِهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَدُّهَا، وَلَا يَفْسُقُونَ بِتَعَمُّدِ رُؤْيَتِهَا لِأَجْلِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا بَلْ يَجُوزُ لَهُمْ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِشُهُودِ الزِّنَا كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ شَهَادَتُهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ لَمْ يُتِمَّ أَحَدُهُمْ الصِّفَةَ) بِأَنْ قَالَ: رَأَيْت ذَكَرَهُ بَيْنَ فَخْذَيْهَا وَلَا أَدْرِي هَلْ دَخَلَ فَرْجَهَا أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَإِلَّا زَادَ عَلَى الْحَدِّ، وَ (حُدَّ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ أَتَمُّوهَا) حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ فِي تِلْكَ الْمَرْأَةِ، بِخِلَافِ مَنْ قَالَ: رَأَيْت ذَكَرَهُ عَلَى بَابِ فَرْجِهَا فَقَطْ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بِزِنَاهَا فَلِذَلِكَ قُلْنَا: يُعَاقَبُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَلَا يُحَدُّ، وَإِنَّمَا شُرِطَ فِي ثُبُوتِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ تَغْلِيظًا عَلَى الشَّاهِدِ بِقَذْفِهِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ إلَى تِلْكَ الشَّهَادَةِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْقَبِيحِ، فَشُدِّدَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَكَادَ يَثْبُتُ الزِّنَا عَلَى أَحَدٍ وَقَصْدًا لِلسَّتْرِ، وَلِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ الَّتِي لَا تَقَعُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَطُلِبَتْ الْأَرْبَعُ لِيَكُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ،

وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ الزِّنَا تَكْلِيفَ الْفَاعِلِ قَالَ: (وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ) سَوَاءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>