للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُقِيمُ الرَّجُلُ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ حَدَّ الزِّنَا إذَا ظَهَرَ حَمْلٌ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةُ غَيْرِهِ أَرْبَعَةُ شُهَدَاءِ أَوْ كَانَ إقْرَارٌ وَلَكِنْ إنْ كَانَ لِلْأَمَةِ زَوْجٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لِغَيْرِهِ فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إلَّا السُّلْطَانُ.

وَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ بِذَكَرٍ بَالِغٍ أَطَاعَهُ رُجِمَا أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا.

وَعَلَى الْقَاذِفِ الْحُرِّ الْحَدُّ ثَمَانُونَ وَعَلَى الْعَبْدِ أَرْبَعُونَ فِي الْقَذْفِ وَخَمْسُونَ فِي الزِّنَا.

وَالْكَافِرُ

ــ

[الفواكه الدواني]

يَحْصُلُ الِاشْتِبَاهُ، وَمِثْلُ الزَّانِي فِي سُقُوطِ حَدِّهِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ السَّارِقُ يُقِرُّ طَائِعًا ثُمَّ يُكَذِّبُ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَإِنْ لَزِمَهُ الْمَالُ الَّذِي أَقَرَّ بِسَرِقَتِهِ سَوَاءٌ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ الشَّارِبُ وَالْمُحَارِبُ وَمَنْ أَقَرَّتْ بِالْإِحْصَانِ ثُمَّ رَجَعَتْ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا،

وَلَمَّا كَانَتْ التَّعَازِيرُ وَهِيَ كُلُّ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَالْحُدُودُ وَهِيَ كُلُّ مَا قَدَّرَ فِيهِ الشَّارِعُ شَيْئًا مَخْصُوصًا لَا يَتَوَلَّاهَا إلَّا الْإِمَامُ وَكَانَ الرَّقِيقُ خَارِجًا مِنْ ذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجُوزُ أَنْ (يُقِيمَ الرَّجُلُ عَلَى عَبْدِهِ وَ) عَلَى (أَمَتِهِ حَدَّ الزِّنَا) لَوْ قَالَ: وَيُقِيمُ الْمَالِكُ عَلَى رَقِيقِهِ حَدَّ الزِّنَا لَكَانَ أَنْسَبَ بِالِاخْتِصَارِ، وَمَحَلُّ جَوَائِزِ إقَامَةِ الْمَالِكِ الْحَدَّ عَلَى رَقِيقِهِ وُجُودُ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (إذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ) شَهِدَتْ بِالزِّنَا حَالَةَ كَوْنِهَا (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ السَّيِّدِ وَالْبَيِّنَةُ هِيَ (أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ) عَلَى الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا مِنْ كَوْنِهَا بِوَقْتٍ وَرُؤْيَا اتَّحَدَا.

(أَوْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ مِنْهُمَا (إقْرَارٌ) بِالزِّنَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَلَمْ يَرْجِعَا فَيَجُوزُ لِسَيِّدِهِمَا حِينَئِذٍ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا، وَمِثْلُ حَدِّ الزِّنَا حَدُّ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ، لَكِنْ يُطْلَبُ أَنْ يُحْضِرَ السَّيِّدُ لِجِلْدِهِ فِي الْخَمْرِ وَالْفِرْيَةِ رَجُلَيْنِ، وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَةِ رِجَالٍ عُدُولٍ.

قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ الْعَبْدَ عَسَى أَنْ يُعْتَقَ يَوْمًا ثُمَّ يَشْهَدَ بَيْنَ النَّاسِ فَيَجِدَ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَمَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ، وَأَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إقَامَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقِيمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، فَإِنْ تَوَلَّاهُ السَّيِّدُ وَقَطَعَ يَدَهُ مَثَلًا وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ عَادِلَةً وَأَصَابَ وَجْهَ الْقَطْعِ عُوقِبَ، وَوَجَّهَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِقَوْلِهِ: لِئَلَّا تُمَثِّلَ النَّاسُ بِعَبِيدِهَا وَتَدَّعِي السَّرِقَةَ مِنْهُمْ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ حَدِّ السَّيِّدِ لِرَقِيقِهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ الذَّكَرُ مُتَزَوِّجًا بِمِلْكِ غَيْرِ سَيِّدِهِ وَأَنْ لَا تَكُونَ الْأَمَةُ زَوْجَةً لِحُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ لِغَيْرِ سَيِّدِهَا قَالَ: (وَلَكِنْ إنْ كَانَ لِلْأَمَةِ زَوْجٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لِغَيْرِهِ فَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَيْهِمَا) حِينَئِذٍ (إلَّا السُّلْطَانُ) أَوْ نَائِبُهُ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ حَقًّا فِي الْفِرَاشِ، وَمَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ وَلَدٍ فَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ أَنْ يُفْسِدَهُ وَلَا يُدْخِلَ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرًا إلَّا بِحُكْمٍ، وَجَازَ لَهُ فِي عَبْدِهِ لِأَنَّ عَبْدَهُ لَيْسَ خَصْمًا لَهُ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّيِّدَ إنَّمَا يُقِيمُ حَدَّ الزِّنَا عَلَى عَبْدِهِ إذَا كَانَ خَالِيًا مِنْ زَوْجٍ أَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِمِلْكِ سَيِّدِهِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ خَلِيلٍ: وَإِقَامَةُ الْحَاكِمِ وَالسَّيِّدِ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِغَيْرِ مِلْكِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ خَبَرُ: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَحِدَّهَا» .

وَخَبَرُ أَبِي دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي جَارِيَةٍ فَجَرَتْ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَقِمْ عَلَيْهَا الْحَدَّ، وَأُقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» .

[حَدّ اللِّوَاط]

وَلَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى حَدِّ الزِّنَا قَسِيمِ اللِّوَاطِ شَرَعَ فِي حَدِّ اللِّوَاطِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ عَمِلَ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَإِنْ عَبْدًا وَكَافِرًا (عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ) بِأَنْ فَعَلَ (بِذَكَرٍ بَالِغٍ) وَأَدْخَلَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي دُبُرِهِ حَالَةَ كَوْنِ الذَّكَرِ الْبَالِغِ الْمَفْعُولِ بِهِ قَدْ (أَطَاعَهُ رُجِمَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ.

(أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا) كَانَا حُرَّيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْمَفْعُولُ بِهِ مَمْلُوكًا لِلْفَاعِلِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَا غَيْرَ مُكَلَّفَيْنِ فَإِنَّهُمَا يُؤَدَّبَانِ فَقَطْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُكَلَّفًا دُونَ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الْمُكَلَّفُ هُوَ الْفَاعِلُ لَرُجِمَ وَحْدَهُ حَيْثُ كَانَ الْمَفْعُولُ بِهِ مُطِيقًا، وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ بُلُوغُ الْمَفْعُولِ بِهِ دُونَ الْفَاعِلِ فَلَا يُرْجَمُ، وَإِنَّمَا يُؤَدَّبُ الصَّغِيرُ وَيُعَزَّرُ الْبَالِغُ التَّعْزِيرَ الشَّدِيدَ الَّذِي لَا يَنْقُصُ عَدَدُهُ عَنْ مِائَةٍ.

(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا قَيَّدَ الذَّكَرَ الْمَفْعُولَ بِهِ بِالْبُلُوغِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ رَجْمًا، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْفَاعِلَ الْبَالِغَ يُرْجَمُ وَلَوْ فَعَلَ بِصَبِيٍّ مُطِيقٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَطَاعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي رَجْمِ الْمَفْعُولِ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْفِعْلِ بِهِ لَمْ يُرْجَمْ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ بِغَيْرِهِ فَفِي حَدِّهِ خِلَافٌ أَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُكْرَهَ كَذَلِكَ أَيْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَالْأَكْثَرُ يَقُولُونَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

قَالَ بَعْضِ شُرَّاحِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى رَجْمِ اللَّائِطِ وَالْمُلُوطِ بِهِ حَدِيثُ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» .

وَعَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ إتْيَانُ الذُّكُورِ فِي أَدْبَارِهِمْ، فَاللِّوَاطُ أَقْبَحُ مِنْ الزِّنَا بِالْأُنْثَى لِأَنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ قَوْمِ لُوطٍ: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ٨٠] وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِذَكَرٍ عَمَّا لَوْ فَعَلَ بِالْأُنْثَى فِي دُبْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِوَاطًا، ثُمَّ إنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً حُدَّ لِلزِّنَى، وَإِنْ كَانَتْ زَوْجًا أُدِّبَ، كَمَا تُؤَدَّبُ الْمَرْأَةُ فِي مُسَاحَقَتِهَا الْأُخْرَى، وَكَمَا يُؤَدَّبُ الذَّكَرُ فِي إتْيَانِهِ الْبَهِيمَةَ.

(تَتِمَّةٌ) شَرْطُ الرَّجْمِ بِاللِّوَاطِ كَشَرْطِ حَدِّ الزِّنَا مِنْ مَغِيبِ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا، وَالثُّبُوتُ إمَّا بِالِاعْتِرَافِ الْمُسْتَمِرِّ أَوْ شَهَادَةِ أَرْبَعٍ مِنْ الْعُدُولِ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ.

وَانْظُرْ هَلْ يَسْقُطُ حَدُّ اللِّوَاطِ بِالرُّجُوعِ أَوْ لَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى

<<  <  ج: ص:  >  >>