للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَدَنِهِ مِنْ حَدٍّ أَوْ قَطْعٍ يَلْزَمُهُ وَمَا كَانَ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا إقْرَارَ لَهُ.

وَلَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ وَلَا فِي الْجُمَّارِ وَلَا فِي النَّخْلِ وَلَا فِي الْغَنَمِ الرَّاعِيَةِ حَتَّى تُسْرَقَ مِنْ مُرَاحِهَا وَكَذَلِكَ التَّمْرُ مِنْ الْأَنْدَرِ.

وَلَا يُشْفَعُ لِمَنْ بَلَغَ الْإِمَامَ فِي السَّرِقَةِ وَالزِّنَا

ــ

[الفواكه الدواني]

أَوْ سَرَقَ مِنْ الْجَرِينِ أَوْ مِنْ سَاحَةِ الدَّارِ حَيْثُ كَانَ السَّارِقُ أَجْنَبِيًّا مَحْجُوزًا عَلَيْهِ فِي دُخُولِهَا، أَوْ مِنْ السَّفِينَةِ حَيْثُ سَرَقَ مِنْ خِنِّهَا أَوْ سَرَقَهُ بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَتَاعِ وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ مِنْ رُكَّابِهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَتَاعِ حَيْثُ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّارِقَ مِنْ خِنِّهَا أَوْ بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَتَاعِ يُقْطَعُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَنْ سَرَقَ مَا عَلَى ظَهْرِهَا وَفِي غِيبَةِ رَبِّهِ فَلَا يُقْطَعُ إلَّا إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا.

وَلَمَّا كَانَ السَّارِقُ هُوَ الدَّاخِلُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَتَاعِ وَيَأْخُذُ الشَّيْءَ خُفْيَةً وَيَخْرُجُ كَذَلِكَ ذَكَرَ مُحْتَرَزَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ) كَالضَّيْفِ وَالْخُدَّامِ (لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ خَائِنٌ وَهُوَ لَا يُقْطَعُ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَالُ وَيُتَّبَعُ بِهِ إنْ أَعْدَمَ (وَ) كَذَلِكَ (لَا يُقْطَعُ الْمُخْتَلِسُ) وَهُوَ مَنْ يَخْرُجُ جَهْرَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيَجْمَعَهُ مَعَ نَظِيرِهِ وَهُوَ الْخَائِنُ.

وَلَمَّا كَانَ إقْرَارُ الْعَبْدِ تَارَةً يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ وَتَارَةً يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِبَدَنِهِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ) الْعَاقِلِ الْبَالِغِ (فِيمَا يَلْزَمُهُ) أَيْ فِيمَا يَكُونُ بِعُقُوبَةٍ (فِي بَدَنِهِ) وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ حَدٍّ أَوْ قَطْعٍ) كَإِقْرَارِهِ بِشُرْبٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ سَرِقَةٍ.

(يَلْزَمُهُ) خَبَرُ الْإِقْرَارِ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأً لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي إقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ عُقُوبَةَ بَدَنِهِ.

(وَمَا كَانَ) مِنْ إقْرَارِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِشَيْءٍ (فِي رَقَبَتِهِ) كَإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ أَخْذَ رَقَبَتِهِ فِيهِ.

(فَلَا إقْرَارَ لَهُ) صَحِيحٌ يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِجَلْبِ نَفْعٍ لِلْمُقِرِّ لَهُ، إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ الْمَحْضِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ.

(وَلَا قَطْعَ فِي) سَرِقَةِ (ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ) عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ مِنْ أَصْل خِلْقَتِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ بَابٌ مَغْلُوقٌ، وَقِيلَ الْمَغْلُوقُ عَلَيْهِ يُقْطَعُ سَارِقُهُ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا لَا قَطْعَ فِيهِ: أَوْ ثَمَرٌ مُعَلَّقٌ إلَّا بِغَلْقٍ فَقَوْلَانِ، وَهَذَا فِي الْمُعَلَّقِ فِي الْبَسَاتِينِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الثَّمَرِ فِي الدُّورِ أَوْ الْبُيُوتِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ سَارِقُهُ لِأَنَّهُ فِي حِرْزٍ.

وَقَوْلُنَا: مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ قُطِعَ وَعُلِّقَ عَلَى الشَّجَرِ فَهَذَا لَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ وَلَوْ بِغَلْقٍ، وَأَمَّا لَوْ قُطِعَ وَوُضِعَ فِي الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ لِوَضْعِهِ فِيهِ قِيلَ الْجَرِينُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْقَطْعُ مُطْلَقًا، عَدَمُ الْقَطْعِ مُطْلَقًا، ثَالِثُهَا إنْ كُدِّسَ، وَيُقْطَعُ لِشَبَهِهِ بِمَا فِي الْجَرِينِ وَإِلَّا فَلَا لِشَبَهِهِ بِمَا عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الثَّمَرَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: كَوْنُهُ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ وَعَلَيْهِ غَلْقٌ أَوْ لَا، أَوْ يَجُذُّ وَيُوضَعُ بِمَكَانٍ لِيُنْقَلَ مِنْهُ إلَى الْجَرِينِ أَوْ يُوضَعُ فِي الْجَرِينِ، فَفِي السَّرِقَةِ مِنْهَا عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ غَلْقٍ لَا قَطْعَ وَهُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيُغْلَقُ قَوْلَانِ، وَأَمَّا لَوْ قُطِعَتْ وَقَبْلَ وُصُولِهَا إلَى الْجَرِينِ فَفِيهَا الْأَقْوَالُ، وَأَمَّا سَرِقَتُهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي الْجَرِينِ فَالْقَطْعُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ كَمَا يَأْتِي.

(وَلَا) قَطْعَ أَيْضًا (فِي الْجُمَّارِ) وَهُوَ الْقَلْبُ الْكَائِنُ (فِي النَّخْلِ) لِأَنَّهُ كَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ.

(وَلَا) قَطْعَ أَيْضًا (فِي الْغَنَمِ الرَّاعِيَةِ) حَالَ رَعْيِهَا كَانَ مَعَهَا رَاعٍ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهَا كَالْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ يُعَدُّ حِرْزًا فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ وَلَوْ كَانَ صَاحِبُهُ جَالِسًا بِهِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهَا فِي حَالِ رَعْيِهَا تَكُونُ مُتَفَرِّقَةً غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِرَبِّهَا.

وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (حَتَّى تُسْرَقَ مِنْ مُرَاحِهَا) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مَوْضِعِ مَقِيلِهَا وَمَوْضِعِ رُقَادِهَا عَقِبَ الرَّوَاحِ مِنْ الْمَرْعَى وَقَبْلَ الذَّهَابِ إلَى الرَّعْيِ، فَيُقْطَعُ السَّارِقُ لَهَا وَهِيَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ رَاعٍ أَمْ لَا، وَمِثْلُ السَّرِقَةِ مِنْ الْمَرَاحِ السَّرِقَةُ مِنْهَا حَالَ سَيْرِهَا لِلْمَرْعَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهَا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ تَكُونُ مُجْتَمِعَةً، وَلِذَلِكَ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ الْإِبِلِ الْمَجْمُوعَةِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْجَامُوسِ فِي حَالِ سَيْرِهَا إلَى الْمَرْعَى، وَيُقْطَعُ السَّارِقُ لِشَيْءٍ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ إبَانَتِهِ عَنْ بَاقِيهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْإِبَانَةُ بَيِّنَةً، وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي الْقَطْعِ بِمُجَرَّدِ الْإِبَانَةِ سَرِقَةُ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ أَوْ قَنَادِيلِهَا أَوْ حُصُرِهَا أَوْ شَيْءٍ مِنْ سُقُوطِهَا، وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَ بَعْضُ الشُّيُوخِ قَوْلَ خَلِيلٍ: أَوْ أَخْرَجَ قَنَادِيلَهُ أَوْ بُسُطَهُ قَائِلًا: الْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ الْقَطْعِ بِمُجَرَّدِ إزَالَتِهَا عَنْ مَحَلِّهَا فَرَاجِعْهُ.

(وَكَذَلِكَ) لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ (الثَّمَرِ) حَتَّى يُسْرَقَ (مِنْ الْأَنْدَرِ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْجُرْنِ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهَا.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا جُمِعَ الْحَبُّ أَوْ التَّمْرُ فِي الْجَرِينِ وَغَابَ رَبُّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ وَلَا حَائِطٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَمِنْ غَيْرِ حَارِسٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الشَّفَاعَةِ فِيمَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَدٌّ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ (يَشْفَعَ لِمَنْ بَلَغَ) أَمْرُهُ (الْإِمَامَ) فِي عَدَمِ حَدِّهِ (فِي السَّرِقَةِ وَالزِّنَا) بَلْ يَجِبُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا وَلَوْ تَابَا وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُمَا، لِأَنَّ الْحَدَّ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ يَصِيرُ حَقًّا لِلَّهِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الشَّفَاعَةُ فِي إسْقَاطِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ فِي مُوَطَّئِهِ: «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَجَاءَ طَارِقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>