للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُجَرَّبٍ فِي كَذِبٍ

أَوْ مُظْهِرٍ لِكَبِيرَةٍ

وَلَا جَارٍّ لِنَفْسِهِ

وَلَا دَافِعٍ عَنْهَا

وَلَا وَصِيٍّ لِيَتِيمِهِ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ

ــ

[الفواكه الدواني]

أَنْ يُقَالَ: أَعَادَ هَذَا دَفْعًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَصْرِ مَا سَبَقَ عَلَى الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِ الزِّنَا، وَمِثْلُ الْحَدِّ التَّعْزِيرُ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَحْدُودُ مُسْلِمًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ كَافِرًا وَوَقَعَ مِنْهُ مُوجِبُ الْحَدِّ وَحُدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حُدَّ وَتَابَ يَصِحُّ حُكْمُهُ وَلَوْ فِيمَا حُدَّ فِيهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ الْقَاضِيَ مُسْتَنِدٌ فِي حُكْمِهِ لِإِخْبَارِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ.

(تَنْبِيهٌ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَى صَلَاحِ حَالِ الْمَحْدُودِ، وَلَا يَتَحَدَّدُ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ خِلَافًا لِمَنْ حَدَّهَا بِسَنَةٍ أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَلَمَّا كَانَتْ الْقَرَابَةُ الْأَكِيدَةُ تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ كَالْعَدَاوَةِ

قَالَ: (وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَ (لِلْأَبَوَيْنِ) وَإِنْ عَلَيَا (وَلَا هُمَا) أَيْ وَكَذَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبَوَيْنِ (لَهُ) أَيْ لِلْوَلَدِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْعَ لَا يَشْهَدُ لِأَصْلِهِ وَلَا الْأَصْلَ لِفَرْعِهِ، وَأَمَّا شَهَادَةُ الْأَصْلِ عَلَى فَرْعِهِ أَوْ عَكْسُهُ فَتَجُوزُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ امْتَنَعَتْ شَهَادَةُ شَخْصٍ لَهُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، كَمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لِأَحَدِ أَوْلَادِهِ عَلَى وَلَدِهِ الْآخَرِ، وَشَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَإِلَّا امْتَنَعَتْ، كَمَا لَوْ شَهِدَ الْوَالِدُ لِلصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ، أَوْ لِلْبَارِّ عَلَى الْفَاسِقِ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ بِطَلَاقِ أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مُنْكِرَةً لِلطَّلَاقِ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً بِدَعْوَى الطَّلَاقِ وَالْأَبُ يُنْكِرُهُ فَمَنَعَهَا أَشْهَبُ وَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ بِطَلَاقِ غَيْرِ أُمِّهِ لَمْ يَجُزْ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ فِي عِصْمَةِ أَبِيهِ لَا إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ؛ لِأَبِيهِ عَلَى جَدِّهِ أَوْ لِوَلَدِهِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ قَوْلًا وَاحِدًا لِظُهُورِ التُّهْمَةِ بِالْمَيْلِ إلَى الْأَبِ وَالْوَلَدِ.

(تَنْبِيهٌ) كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ لَا تَجُوزُ لِزَوْجِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْوَالِدُ لَا يَشْهَدُ لِزَوْجِ ابْنَتِهِ وَلَا لِزَوْجَةِ ابْنِهِ.

[شَهَادَة الزَّوْج لِلزَّوْجَةِ]

(وَلَا) تَجُوزُ شَهَادَةُ (الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ وَلَا هِيَ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ وَكَمَا لَا يَشْهَدُ لِزَوْجَتِهِ لَا يَشْهَدُ لِابْنِهَا وَلَا لِأَبِيهَا، وَكَمَا لَا تَشْهَدُ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا لَا تَشْهَدُ لِأَبِيهِ وَلَا لِأُمِّهِ، وَأَمَّا شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِابْنِ زَوْجِ ابْنَتِهِ فَهِيَ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ مَيَلَانِهِ إلَيْهِ.

(وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخِ الْعَدْلِ) الْمُرَادُ الْمُبَرِّزُ فِي الْعَدَالَةِ (لِأَخِيهِ) لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: يُشْتَرَطُ تَبْرِيزُ الْعَدْلِ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ:

شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ، وَشَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَشَهَادَةُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ لَمُعْتِقِهِ، وَشَهَادَةُ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ لِشَرِيكِهِ فِي غَيْرِ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ، وَشَهَادَةُ الصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ لِصَدِيقِهِ، وَشَهَادَةُ مَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا بَعْدَ أَدَائِهَا، وَزَادُوا عَلَيْهَا الْمُزَكِّي لِلشُّهُودِ، وَمَنْ سُئِلَ عَنْ شَهَادَتِهِ فَشَكَّ فِيهَا ثُمَّ تَذَكَّرَهَا، وَمَعْنَى التَّبْرِيزِ الزِّيَادَةُ عَلَى أَقْرَانِهِ وَأَنْظَارِهِ فِي الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ.

وَقَيَّدَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ شَهَادَةَ الْأَخِ لِأَخِيهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي عِيَالِ أَخِيهِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَبِكَوْنِهَا فِي الْأَمْوَالِ أَوْ فِي الْجِرَاحِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ أَوْ فِي التَّعْدِيلِ، لَا إنْ كَانَتْ بِنَسَبٍ أَوْ بِمَا فِيهِ قِصَاصٌ أَوْ بِدَفْعِ مَعَرَّةٍ، وَيَنْبَغِي جَرَيَانُ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الشَّاهِدِ فِي عِيَالِ الْمَشْهُودِ لَهُ تُهْمَةٌ تُوجِبُ عَدَمَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ.

(وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُجَرَّبٍ فِي كَذِبٍ) كَثِيرٍ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ فِي السَّنَةِ، وَأَمَّا الْكِذْبَةُ الْوَاحِدَةُ فِي السَّنَةِ فَلَا تَقْدَحُ إلَّا أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا مَفْسَدَةٌ.

(أَوْ) أَيْ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ (مُظْهِرٍ لِكَبِيرَةٍ) الْمُرَادُ بِالْمُظْهِرِ مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ أَكَلَ الرِّبَا وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ خُفْيَةً، وَكَذَا لَوْ أَظْهَرَ صَغِيرَةً حَيْثُ كَانَتْ مِنْ صَغَائِرِ الْخِسَّةِ كَنَظْرَةٍ لِأَجْنَبِيَّةٍ بِقَصْدِ الشَّهْوَةِ، أَوْ سَرِقَةِ لُقْمَةٍ أَوْ تَطْفِيفِ حَبَّةٍ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى دَنَاءَةِ الْهِمَّةِ، وَأَمَّا صَغَائِرُ الْخِسَّةِ فَلَا يَقْدَحُ إلَّا الْإِدْمَانُ عَلَيْهَا، وَالْمُرَادُ مِنْ الْكَذِبِ الْمَانِعِ، وَإِظْهَارِ الْكَبِيرَةِ التَّلَبُّسُ بِهَا تَلَبُّسًا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مِنْهُ تَوْبَةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ كَثْرَةُ كَذِبٍ أَوْ إظْهَارُ كَبِيرَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَتَابَ وَحُسِّنَتْ تَوْبَتُهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ فِي وَصْفِ الْعَدْلِ: لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً أَوْ كَثِيرُ كَذِبٍ أَوْ صَغِيرَةً خِسَّةً وَسَفَاهَةً وَلَعِبِ نَرْدٍ ذُو مُرُوءَةٍ بِتَرْكِ غَيْرِ لَائِقٍ مِنْ حَمَّامٍ وَسَمَاعِ غِنَاءٍ وَدِبَاغَةٍ وَحِيَاكَةٍ اخْتِيَارًا وَإِدَامَةِ شِطْرَنْجٍ.

قَالَ شُرَّاحُهُ: مَعْنَاهُ لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً وَقْتَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ إذَا وَعَارِفًا بِهَا وَتَابَ وَحَسُنَتْ ثُمَّ أَدَّاهَا لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِهَا.

(وَلَا) تَجُوزُ شَهَادَةُ (جَارٍ لِنَفْسِهِ) نَفْعًا كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَى مُوَرِّثَةِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا أَوْ بِقَتْلِ الْعَمْدِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ غَنِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَتَّهِمُ عَلَى قَتْلِهِ لِيَأْخُذَ مَالَهُ، وَلِذَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا لَجَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ.

(وَلَا) تَجُوزُ أَيْضًا شَهَادَةُ (دَافِعٍ عَنْهَا) أَيْ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ فَقِيرًا، وَكَشَهَادَةِ عَتِيقٍ لِمُعْتِقِهِ بِوَفَاءِ دَيْنٍ ثَابِتٍ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِيمَا عَلَى سَيِّدِهِ مِنْ الدَّيْنِ.

[شَهَادَةُ وَصِيٍّ لِيَتِيمِهِ بِشَيْءٍ عَلَى آخَرَ]

(وَلَا) تَجُوزُ شَهَادَةُ (وَصِيٍّ لِيَتِيمِهِ) بِشَيْءٍ عَلَى آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ لِيَتِيمِهِ.

(وَ) مَفْهُومٌ لِيَتِيمِهِ أَنَّهُ (يَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ) وَمِثْلُهُ أَكِيدُ الْقَرَابَةِ كَأَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَشَهَادَتُهُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ، وَمِنْ قَوَادِحِ الشَّهَادَةِ الْأَخْذُ مِنْ الظَّلَمَةِ وَالْأَكْلُ عِنْدَهُمْ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا إنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمَّالِ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ الْخُلَفَاءِ، وَلَا إنْ تَعَصَّبَ كَالرِّشْوَةِ وَتَلْقِينِ الْخَصْمِ وَلَعِبِ نَيْرُوزَ وَمَطَلَ وَحَلَفَ بِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ، وَمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثًا بِلَا عُذْرٍ، وَتِجَارَةٍ لِأَرْضِ حَرْبٍ، وَسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ، أَوْ مَعَ وَلَدٍ شِرِّيبٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>