للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْصَى بِحَجٍّ أَنُفِذَ وَالْوَصِيَّةُ بِالصَّدَقَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا

وَإِذَا مَاتَ أَجِيرُ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ وَمَا هَلَكَ بِيَدِهِ فَهُوَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْبَلَاغِ فَالضَّمَانُ مِنْ الَّذِينَ وَاجْرُوهُ وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ.

ــ

[الفواكه الدواني]

أَقَرَّ لِشَخْصٍ مِنْ الْوَرَثَةِ مَعَ وُجُودِ مُسَاوِيهِ وَأَوْلَى لِأَقْرَبَ مِنْهُ (أَوْ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ (بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى وَارِثِهِ الْمُتَّهَمِ عَلَى الْإِقْرَارِ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَى ابْنِي الْبَارِّ أَوْ الصَّغِيرِ مَعَ وُجُودِ الْعَاقِّ أَوْ الْكَبِيرِ قَدْ أَدَّاهُ إلَيَّ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ.

قَالَ خَلِيلٌ: يُؤَاخَذُ الْمُكَلَّفُ بِلَا حَجْرٍ بِإِقْرَارِهِ لِأَهْلٍ لَمْ يُكَذِّبْهُ وَلَا يُتَّهَمُ كَالْعَبْدِ فِي غَيْرِ الْمَالِ بَلْ بِمَا يُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ عُقُوبَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَأَخْرَسَ وَمَرِيضٍ إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ لِأَبْعَدَ أَوْ لِمُلَاطَفَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِعَدَمِ الِاتِّهَامِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ قَيْدَ الِاتِّهَامِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ وَفِي إقْرَارِ الصَّحِيحِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي إقْرَارِ الصَّحِيحِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالُوا بِصِحَّةِ إقْرَارِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ وَلَوْ عُلِمَ مَيْلُهُ لَهَا، وَإِنَّمَا فَصَلُوا فِي إقْرَارِهِ فِي حَالِ مَرَضِهِ فَقَالُوا: إنْ عُلِمَ مَيْلُهُ لَهَا لَا يَصِحُّ وَإِنْ عُلِمَ بُغْضُهُ لَمَا صَحَّ، وَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ مَعَهَا صَحَّ إنْ وَرِثَهُ ابْنٌ وَلَوْ صَغِيرًا، وَكَذَا لَوْ وَرِثَهُ بَنُونَ حَيْثُ لَمْ تَنْفَرِدْ بِوِلَادَةِ الصَّغِيرِ فَلَا يَصِحُّ لِاتِّهَامِهِ، وَالْمَرَضُ الْخَفِيفُ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِهِ. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَانَ إيصَاؤُهُ بِالْحَجِّ عَنْهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مَنْعُهُ

قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى) فِي حَالِ مَرَضِهِ (بِحَجٍّ) عَنْ نَفْسِهِ (أُنْفِذَتْ) وَصِيَّتُهُ وُجُوبًا مِنْ ثُلُثِهِ سَوَاءٌ كَانَ ضَرُورَةً أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَكَانَ غَيْرَ ضَرُورَةٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ تَنْفِيذُهَا وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً لِوُجُوبِ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَكْرُوهٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَنُفِّذَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَحَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أُنْفِذَتْ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ الصَّرُورَةُ لَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِالْحَجِّ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمُنِعَ اسْتِنَابَةُ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ وَإِلَّا كُرِهَ كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَعَبَّرَ بِأَنْفَذْت إشَارَةً إلَى أَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ ابْتِدَاءً وَلِذَا قَالَ: (وَالْوَصِيَّةُ بِالصَّدَقَةِ) وَهِيَ عَطِيَّةٌ يُقْصَدُ بِهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ (أَحَبُّ إلَيْنَا) مِنْ صَرْفِ الْمَالِ فِي الْحَجِّ لِوُصُولِ ثَوَابِ الصَّدَقَةِ لِلْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يَنْتَفِعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» .

قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالتَّصَدُّقِ بِالْمَالِ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ لِمَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ لِلْخِلَافِ فِي حُصُولِ ثَوَابِهِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ وَلِذَلِكَ لَا نَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَعَلَّهَا إنَّمَا صَحَّتْ بِالْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ لَا يَحْصُلُ لِلْمَحْجُوجِ أَنَّهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَجْرَ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حُجَّ عَنْهُ وَإِنَّمَا لَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ.

(تَنْبِيهٌ) إذَا عَرَفْت مَا ذَكَرْنَاهُ ظَهَرَ لَك أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ إذْ لَا أَحَبِّيَّةَ فِي الْحَجِّ لِكَرَاهَتِهِ.

[حُكْمِ مَا إذَا مَاتَ أَجِيرُ الْحَجِّ قَبْلَ التَّمَام]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَا إذَا مَاتَ أَجِيرُ الْحَجِّ قَبْلَ التَّمَامِ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا مَاتَ أَجِيرُ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ) لِمَكَّةَ أَوْ بَعْدَ الْوُصُولِ وَقَبْلَ إتْمَامِ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ فِعْلُهُ (فَلَهُ) أَيْ يَجِبُ لِوَرَثَتِهِ (بِحِسَابِ مَا سَارَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهُ بِالْحِسَابِ إنْ مَاتَ أَوْ صُدَّ أَوْ حَصَلَ الْخَطَأُ فِي الْعَدَدِ، وَيُنْظَرُ لِمَا سَارَهُ مِنْ حَيْثُ الصُّعُوبَةُ وَالسُّهُولَةُ وَالْخَوْفُ وَالْأَمْنُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي أَجْرِ الضَّمَانِ، سَوَاءٌ وَقَعَ الْعَقْدُ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ وَأَبَى وَارِثُهُ مِنْ الْإِتْمَامِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْجَعَالَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا بِمَوْتِهِ أَوْ صَدِّهِ قَبْلَ التَّمَامِ.

وَأَمَّا فِي إجَارَةِ الْبَلَاغُ فَلَهُ بِقَدْرِ مَا أَنْفَقَ إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّمَامِ (وَ) إذَا أَخَذَ أَجِيرُ الضَّمَانِ بِحِسَابِ مَا سَارَ الَّذِي هُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يَرُدَّ مَا بَقِيَ) مَعَهُ مِنْ الْمَالِ (وَمَا هَلَكَ) أَيْ ضَاعَ حَالَ كَوْنِ الْمَالِ (بِيَدِهِ فَهُوَ مِنْهُ) أَيْ فَضَمَانُهُ مِنْ أَجِيرِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ قَبْضِهِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ضَمَانِ الْأَجِيرِ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ) مِنْهُ (عَلَى الْبَلَاغِ فَ) إنَّ (الضَّمَانَ) لِجَمِيعِ مَا يَهْلَكُ (مِنْ الَّذِينَ وَاجَرُوهُ) لَا عَلَى الْأَجِيرِ، وَإِنَّمَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِينَ وَاجْرُوهُ لِتَفْرِيطِهِمْ بِعَدَمِ إجَارَةِ الضَّمَانِ الَّتِي هِيَ أَحْوَطُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلَاغٍ أَيْ وَفُضِّلَتْ إجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلَاغٍ، وَمَعْنَى فَضْلِهَا كَوْنُهَا أَحْوَطَ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الْبَلَاغِ إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ لِلْأَجِيرِ بَدْءًا وَعَوْدًا بِالْعُرْفِ، وَإِنْ ضَاعَ مِنْهُ الْمَالُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ رَجَعَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الضَّائِعِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْمَالِ قَبْلَ إتْمَامِ مَا عَلَيْهِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ تَسَلَّفَهُ وَيُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالسَّرَفِ، وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ التَّمَامِ أَوْ صُدَّ يُرْجَعُ لِلْمُحَاسَبَةِ كَأَجِيرِ الضَّمَانِ، وَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُتِمَّ الْعَمَلَ لَا شَيْءَ لَهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا تَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا فَلَا يُنَافِي الرُّجُوعَ لِلْمُحَاسَبَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ الصَّدِّ، وَقَوْلُهُ: وَاجَرُوهُ صَوَابُهُ بِالْهَمْزِ بَدَلَ الْوَاوِ (وَ) إذَا تَمَّمَ أَجِيرُ الْبَلَاغِ

<<  <  ج: ص:  >  >>