للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابٌ فِي الْفَرَائِضِ وَلَا يَرِثُ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا عَشَرَةٌ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ لِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا وَالْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ وَإِنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

(بَابٌ فِي) عِلْمِ (الْفَرَائِضِ)

جَمْعُ فَرِيضَةٍ وَيُقَالُ لَهُ عِلْمُ الْمَوَارِيثِ وَهُوَ عِلْمٌ جَلِيلُ الْقَدْرِ وَعَظِيمُ الْأَجْرِ إذْ هُوَ مِنْ الْعُلُومِ الْقُرْآنِيَّةِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكِلْ قِسْمَةَ مَوَارِيثِكُمْ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا إلَى نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَلَكِنْ تَوَلَّى قِسْمَتَهَا أَبْيَنُ قِسْمَةً لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَرَغَّبَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَضَّ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ حَيْثُ قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنَّ هَذَا الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا» .

وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَفَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» الْآيَةُ الْمُحْكَمَةُ كِتَابُ اللَّهِ، وَالسُّنَّةُ الْقَائِمَةُ الثَّابِتَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْفَرِيضَةُ الْعَادِلَةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، فَتَكُونُ هَذِهِ الْفَرِيضَةُ تَعْدِلُ مَا أُخِذَ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُمَا.

وَرُوِيَ فِي فَضْلِهِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْسَى وَأَوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضْلِهِ وَالْحَثِّ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِهِ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْفَرَائِضَ نِصْفُ الْعِلْمِ» فَقَالَ أَهْلُ السَّلَامَةِ: لَا نَعْلَمُ مَعْنَاهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ وَإِنْ لَمْ نَعْقِلْ مَعْنَاهُ، وَقَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: لِلْآدَمِيِّ حَالَتَانِ: حَالَةُ حَيَاةٍ وَحَالَةُ مَوْتٍ، فَحَالَةُ الْحَيَاةِ سَبَبٌ لِسَائِرِ الْعُلُومِ غَيْرِ الْفَرَائِضِ، وَحَالُ الْمَوْتِ سَبَبٌ لِوُقُوعِ عِلْمِ الْفَرَائِضِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ حَجْمًا، لَكِنْ الثَّوَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ كَالثَّوَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِمَا عَدَاهُ مِنْ الْعُلُومِ أَوْ هُوَ نِصْفٌ، بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُوصِلِ لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي الِاخْتِيَارِيِّ وَالْجَبْرِيِّ، فَالْأَوَّلُ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَالثَّانِي الْإِرْثُ أَوْ نِصْفٌ بِاعْتِبَارِ فُرُوعِهِ لَوْ بُسِطَتْ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّصْفِ النِّصْفُ عَلَى حَدِّ: إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ فَإِنَّ الْمُرَادَ صِنْفَانِ.

وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ لَهُ حَدٌّ وَمَوْضُوعٌ وَلَهُ غَايَةٌ وَلَهُ حُكْمٌ. أَمَّا حَدُّهُ فَقَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَقَدْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السِّبْطُ فِي شَرْحِ الْحُوفِيِّ بِقَوْلِهِ: هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُخْتَصِّ تَعَلُّقُهَا بِالْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ مَالِكِهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، فَتَحْقِيقُ الْمَوْتِ وَالْمِلْكِ مَعْلُومٌ، وَأَمَّا تَقْدِيرُهُمَا فَكَالْمَفْقُودِ وَالْجَنِينِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَيِّتٌ تَقْدِيرًا، وَالثَّانِيَ مَالِكٌ تَقْدِيرًا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عِلْمُ الْفَرَائِضِ لَقَبًا الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ، وَعِلْمُ مَا يُوصِلُ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ مَا يَجِبُ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ مِنْ التَّرِكَةِ، وَمَوْضُوعُهُ التَّرِكَاتُ؛ لِأَنَّهُ يَبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَوَارِضِهَا الذَّاتِيَّةِ، كَحَقِّ الْمَيِّتِ الْمُتَعَلِّقِ بِالتَّرِكَةِ مِنْ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَحَقِّ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، خِلَافًا لِلصُّورِيِّ مِنْ أَنَّ مَوْضُوعَهُ الْعَدَدُ، وَالتَّرِكَاتُ جَمْعُ تَرِكَةٍ وَهُوَ حَقٌّ قَابِلٌ لِلتَّجَزِّي يَثْبُتُ لِمُسْتَحِقٍّ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِقَرَابَةٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِلْإِرْثِ كَالنِّكَاحِ وَالْوَلَاءِ، وَغَايَتُهُ وَيُقَالُ لَهَا فَائِدَتُهُ حُصُولُ مِلْكِهِ لِلْإِنْسَانِ تُوجِبُ سُرْعَةَ الْجَوَابِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ، وَالصَّوَابُ وَحِكْمَةُ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ مِنْ فَرْضِيَّتِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ لِاسْتِيفَاءِ الصَّحَابَةِ النَّظَرَ فِيهِ وَكَثْرَةَ مُنَاظَرَتِهِمْ وَأَجْوِبَتِهِمْ فِيهِ، فَمَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَقَدْ اهْتَدَى بِهَدْيِهِمْ.

وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْإِرْثَ لَهُ أَرْكَانٌ وَأَسْبَابٌ وَشُرُوطٌ وَمَوَانِعُ.

فَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: وَارِثٌ وَمُوَرِّثٌ وَشَيْءٌ مَوْرُوثٌ.

وَأَسْبَابُهُ أَرْبَعَةٌ: الْقَرَابَةُ الْمَخْصُوصَةُ، وَالْوَلَاءُ، وَجِهَةُ الْإِسْلَامِ فِي الصَّرْفِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَالنِّكَاحُ وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ دُخُولٌ.

وَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: فَقُدِّمَ مَوْتُ الْمُوَرِّثِ، وَاسْتِقْرَارُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ، وَالْعِلْمُ بِالْجِهَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِرْثِ، وَسَيَأْتِي التَّعَرُّضُ إلَى بَعْضِ مَوَانِعِهِ.

وَشَرَعَ هُنَا فِي تَعْدَادِ مَنْ يَرِثُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَرِثُ) الْمَيِّتَ (مِنْ الرِّجَالِ) بِالِاخْتِصَارِ إجْمَاعًا (إلَّا عَشَرَةٌ الِابْنُ) وَهُوَ أَقْوَى الْعَصَبَةِ وَلِذَا بَدَأَ بِهِ (وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَالضَّمُّ أَحْسَنُ (وَالْأَبُ وَالْجَدُّ لِلْأَبِ وَإِنْ بَعُدَ) وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِسُفْلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>