للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكُونَ الَّتِي لِلْأُمِّ أَقْرَبَ بِدَرَجَةٍ فَتَكُونَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي فِيهَا النَّصُّ وَإِنْ كَانَتْ الَّتِي لِلْأَبِ أَقْرَبَهُمَا فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يَرِثُ عِنْدَ مَالِكٍ أَكْثَرُ مِنْ جَدَّتَيْنِ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهُمَا وَيُذْكَرُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ وَاحِدَةَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَاثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ أَبِي الْأَبِ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ الْخُلَفَاءِ تَوْرِيثُ أَكْثَرَ مِنْ جَدَّتَيْنِ

وَمِيرَاثُ الْجَدِّ إذَا انْفَرَدَ فَلَهُ الْمَالُ وَلَهُ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ أَوْ مَعَ وَلَدِ الْوَلَدِ الذَّكَرِ السُّدُسُ فَإِنْ شَرِكَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ غَيْرُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فَلْيُقْضَ لَهُ بِالسُّدُسِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ كَانَ لَهُ

فَإِنْ كَانَ مَعَ أَهْلِ السِّهَامِ إخْوَةٌ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمَرِيضِ أَيْ فَلَا إرْثَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِ إدْخَالَ وَارِثٍ، وَقَدْ نُهِيَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ إدْخَالِهِ وَعَنْ إخْرَاجِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يُفْسَخُ إذْ صَحَّ الْمَرِيضُ مِنْهُمَا.

[إرْث الْجَدَّة]

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى إرْثِ الْجَدَّةِ فَقَالَ: (وَتَرِثُ الْجَدَّةُ لِلْأُمِّ السُّدُسَ) عِنْدَ انْفِرَادِهَا (وَكَذَلِكَ) تَرِثُ الْجَدَّةُ (الَّتِي لِلْأَبِ) عِنْدَ انْفِرَادِهَا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ قِيَاسًا عَلَى الَّتِي لِلْأُمِّ (فَإِنْ اجْتَمَعَتَا) وَاتَّحَدَتَا فِي الدَّرَجَةِ (فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا) سَوِيَّةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: «جَاءَتْ الْجَدَّةُ أَيْ الَّتِي لِلْأُمِّ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: مَا لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا عَلِمْت لَك فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَسَأَلَ النَّاسَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا السُّدُسَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَك غَيْرُك؟ فَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَأَتَى بِهِ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَنْفَذَهُ أَيْ أَعْطَاهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى أَيْ أُمُّ الْأَبِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ عَنْ مِيرَاثِهَا فَقَالَ: مَا لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قَضَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ إلَّا لِغَيْرِك وَمَا أَنَا زَائِدٌ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا وَهُوَ لَكُمَا أَيْ ذَلِكَ السُّدُسُ، فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا، وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا» .

وَقَوْلُنَا: وَاتَّحَدَتَا فِي الدَّرَجَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ اخْتَلَفَتَا فِيهَا فَفِيهِمَا تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ تَكُونَ الَّتِي لِلْأُمِّ أَقْرَبَ بِدَرَجَةٍ فَتَكُونَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي) وَرَدَ (فِيهَا النَّصُّ وَإِنْ كَانَتْ لِلْأَبِ أَقْرَبَهُمَا فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَالْجَدَّةُ فَأَكْثَرُ أَيْ فُرِضَ لَهَا السُّدُسُ وَأَسْقَطَتْهَا الْأُمُّ مُطْلَقًا، وَالْأَبُ الْجَدَّةَ مِنْ جِهَتِهِ وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ الْبُعْدِيِّ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَإِلَّا اشْتَرَكَتَا (وَلَا يَرِثُ عِنْدَ) الْإِمَامِ (مَالِكٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (أَكْثَرُ مِنْ جَدَّتَيْنِ) فَقَدْ قَالَ: لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا أَيْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَرَّثَ أَكْثَرَ مِنْ جَدَّتَيْنِ مُنْذُ كَانَ الْإِسْلَامُ إلَى الْيَوْمِ وَهُمَا: (أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهُمَا) لِقِيَامِهِمَا مَقَامَهُمَا عِنْدَ عَدَمِهِمَا كَكُلِّ مُدْلٍ بِغَيْرِهِ، وَعَلَّلَ الْقَرَافِيُّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ:؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمِيرَاثِ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَأُمَّهَاتُهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا وَبَقِيَ غَيْرُهُنَّ عَلَى الْأَصْلِ (وَيُذْكَرُ) أَيْ يُحْفَظُ (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَنَّهُ وَرَّثَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ (ثَلَاثَ جَدَّاتٍ) وَتَفْصِيلُهَا: (وَاحِدٌ مِنْ قِبَلِ) أَيْ جِهَةِ (الْأُمِّ وَاثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ) وَهُمَا: (أُمُّ أُمِّ الْأَبِ) وَالْمُرَادُ أُمُّ الْأَبِ (وَ) الثَّانِيَةُ (أُمُّ أَبِي الْأَبِ) ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ الْخُلَفَاءِ تَوْرِيثُ أَكْثَرَ مِنْ جَدَّتَيْنِ) .

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ سِوَى هَذَا، فَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا قَضَى بِهِ الْخُلَفَاءُ، وَلَمْ يُعَوِّلْ عَلَى مَا زَادَهُ غَيْرُهُمْ كَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ وَمَسْرُوقٍ وَسُفْيَانَ وَابْنِ سِيرِينَ فِي تَوْرِيثِ بَعْضِهِمْ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ وَبَعْضِهِمْ أَكْثَرَ، ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ إرْثِ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يَرِثُونَ بِالْإِجْمَاعِ، وَالِاثْنَانِ الْآخَرَانِ ابْنُ الِابْنِ وَالْعَمُّ وَابْنَاهُمَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيَرِثُ تَارَةً بِالْفَرْضِ وَتَارَةً بِالتَّعْصِيبِ وَتَارَةً يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ يَحْجُبُ مَا يَحْجُبُهُ الْأَبُ إلَّا الْإِخْوَةَ الْأَشِقَّاءَ وَاَلَّذِينَ لِلْأَبِ

[مِيرَاث الْجَدّ]

، وَأَشَارَ إلَى حَالَةِ إرْثِهِ بِالتَّعْصِيبِ بِقَوْلِهِ: (وَمِيرَاثُ الْجَدِّ) لِلْأَبِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَرِثُ (إذَا انْفَرَدَ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ ابْنٌ لِلْمَيِّتِ وَلَا ابْنُ ابْنٍ وَلَا إخْوَةٌ (فَلَهُ الْمَالُ جَمِيعُهُ) كَالْأَبِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْعَاصِبِ بِالنَّفْسِ حِيَازَةُ جَمِيعِ الْمَالِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ، وَأَشَارَ إلَى حَالَةِ إرْثِهِ بِالْفَرْضِ بِقَوْلِهِ: (وَلَهُ) أَيْ الْجَدِّ (مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ أَوْ مَعَ وَلَدِ الْوَلَدِ الذَّكَرِ السُّدُسُ) وَمَا زَادَ عَلَيْهِ لِلْفَرْعِ الذَّكَرِ وَإِنْ سَفَلَ، وَأَشَارَ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ شَرِكَهُ) أَيْ الْجَدَّ (أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ) أَيْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ (غَيْرِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فَلْيُقْضَ لَهُ بِالسُّدُسِ) وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ السِّهَامِ الْبِنْتُ أَوْ بِنْتُ الِابْنِ أَوْ اثْنَتَانِ فَأَكْثَرُ مِنْهُنَّ، إذْ لَا يُفْرَضُ لَهُ السُّدُسُ مَعَ ذِي الْفَرْضِ إلَّا مَعَ الذُّكُورَاتِ وَحْدَهُنَّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَبِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَيَرِثُ بِفَرْضٍ وَعُصُوبَةٍ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ مَعَ بِنْتٍ وَإِنْ سَفَلَتْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ مِنْ غَيْرِهِنَّ كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ الْأُمِّ أَوْ الْجَدَّةِ كَانَ لَهُ مَا بَقِيَ فَقَطْ تَعْصِيبًا (فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ) بَعْدَ أَخْذِ الْجَدِّ سُدُسَهُ وَصَاحِبِ السَّهْمِ سَهْمَهُ (كَانَ لَهُ) أَيْ الْجَدِّ مَضْمُومًا إلَى سُدُسِهِ فَيَرِثُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ كَمِيرَاثِ الْأَبِ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ اثْنَتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>