للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فَرِيضَةٌ يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا وَكَذَلِكَ مُوَارَاتُهُمْ بِالدَّفْنِ وَغُسْلُهُمْ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ.

وَكَذَلِكَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَامَّةٌ يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا إلَّا مَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ،

وَفَرِيضَةُ الْجِهَادِ عَامَّةٌ يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا إلَّا أَنْ يَغْشَى الْعَدُوُّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ فَيَجِبُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ قِتَالُهُمْ إذَا كَانُوا مِثْلَيْ عَدَدِهِمْ،

وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ وَسَدُّهَا وَحِيَاطَتُهَا وَاجِبٌ يَحْمِلُهُ مَنْ قَامَ بِهِ.

وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ،

وَالِاعْتِكَافُ نَافِلَةٌ،

وَالتَّنَفُّلُ بِالصَّوْمِ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ،

ــ

[الفواكه الدواني]

وَفِيهِ قَدْ صَلَّى نَبِيُّ الْمَرْحَمَةِ ... قِيَامَهُ بِلَيْلَتَيْنِ فَاعْلَمْهُ

أَوْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ لَهُ ... خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فِعْلُهُ

ثُمَّتْ كَانَ الْجَمْعُ فِيهِ مِنْ عُمَرَ ... لِمَا وَعَاهُ مِنْ عَلِيٍّ مِنْ خَبَرٍ

مِنْ أَنَّهُ تَنْزِلُ أَمْلَاكٌ كِرَامٌ ... بِرَمَضَانَ كُلَّ عَامٍ لِلْقِيَامِ

فَمَنْ لَهُمْ قَدْ مَسَّ أَوْ مَسُّوهُ ... يَسْعَدْ وَالشِّقْوَةُ لَا تَعْرَوْهُ

وَمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ مُرَادُهُ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ شَبِيهٌ بِالْبِدْعَةِ لَا أَنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا بِدْعَةٌ، لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ صَلَاةِ النَّفْلِ فِي اللَّيْلِ بِخُصُوصِ رَمَضَانَ قَالَ: (وَالْقِيَامُ) بِمَعْنَى الصَّلَاةِ فِي جُزْءٍ (مِنْ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا) لِأَنَّ فِيهِ حُضُورَ الْقَلْبِ لِتَفَرُّغِهِ مِنْ الشَّوَاغِلِ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ فِي اللَّيْلِ مِنْ شِعَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ قَالَ تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: ٢] وَنَاشِئَةُ اللَّيْلِ هِيَ الْقِيَامُ بَعْدَ النَّوْمِ، وَأَفْضَلُ اللَّيْلِ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ صَلَاةَ الْقِيَامِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِرَمَضَانَ وَإِنَّمَا الْمُخْتَصُّ بِهِ تَأْكِيدُ النَّدْبِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ فِي الْمَسَاجِدِ فِي رَمَضَانَ لِيَحْصُلَ لِعَامَّةِ النَّاسِ الِانْتِفَاعُ بِسَمَاعِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ فِي أَفْضَلِ الشُّهُورِ.

[صَلَاة الْجِنَازَة]

(وَالصَّلَاةُ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ) وَلَوْ حُكْمًا مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِ الْجَنَائِزِ (فَرِيضَةٌ) عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ (يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا) عَنْ غَيْرِهِ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا، وَقِيلَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ. (وَكَذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ الصَّلَاةِ فِي مُطْلَقِ الْوُجُوبِ (مُوَارَاتُهُمْ بِالدَّفْنِ) فَإِنَّهَا فَرْضٌ بِاتِّفَاقٍ وَلِذَلِكَ قُلْنَا التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الْوُجُوبِ. (وَغُسْلُهُمْ) أَيْ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ. (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُوَارَاتَهُمْ بِالْكَفَنِ وَالدَّفْنِ لَا نِزَاعَ فِي وُجُوبِهِ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ، وَأَمَّا غُسْلُهُمْ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ فَفِيهِمَا خِلَافٌ بِالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ.

[طَلَب الْعِلْم]

(وَكَذَلِكَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَامَّةٌ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا) عَنْ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا. (إلَّا مَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ) الْمُرَادُ الشَّخْصُ الْمُكَلَّفُ (فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) كَمَعْرِفَةِ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ وَأَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَكَذَا أَحْكَامُ الْمُعَامَلَاتِ لِمَنْ يَتَعَاطَاهَا، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْفِقْهُ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَأُصُولٍ وَكَلَامٍ وَنَحْوِ لُغَةٍ بِإِقْرَاءٍ أَوْ تَأْلِيفٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: ١٢٢] وقَوْله تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] فَجَعَلَ مِنْ النَّاسِ سَائِلًا وَمَسْئُولًا، وَخَبَرُ: «اُطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ» . فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِ طَلَبِ الْعِلْمِ بِمَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَتُهُ.

[الْجِهَاد قَيْءٍ سَبِيل اللَّه]

(وَفَرِيضَةُ الْجِهَادِ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ قِتَالُ الْكُفَّارِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ (عَامَّةٌ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ قَادِرٍ. (وَيَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا) وَيَسْقُطُ عَنْ غَيْرِهِ بَاقِي الْمُكَلَّفِينَ. (إلَّا أَنْ يَغْشَى) أَيْ يَفْجَأَ (الْعَدُوُّ) الْكَافِرُ (مَحَلَّةَ قَوْمٍ) أَيْ مَنْزِلَهُمْ (فَيَجِبُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ) جَمِيعُهُمْ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ الْأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ (قِتَالُهُمْ) قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعَيَّنَ بِفَجْءِ الْعَدُوِّ وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إنْ عَجَزُوا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْفِرَارُ مِنْ الْكُفَّارِ. (إذَا كَانُوا) أَيْ الْكُفَّارُ (مِثْلَيْ عَدَدِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ خَلِيلٌ بِالْعِطْفِ عَلَى الْمُحَرَّمِ: وَفِرَارٌ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ فَإِنْ زَادَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَنْ مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ جَازَ لِلْمُسْلِمِينَ الْفِرَارُ، إلَّا أَنْ يَبْلُغَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْفِرَارُ، وَلَوْ كَانَتْ الْكُفَّارُ عَدَدَ الرِّمَالِ حَيْثُ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ، فَقَوْلُ خَلِيلٍ: وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا الْوَاوُ لِلْحَالِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ أَيْ لَا إنْ نَقَصُوا عَنْ نِصْفٍ فَيَجُوزُ الْفِرَارُ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا.

(وَالرِّبَاطُ) أَيْ الْإِقَامَةُ (فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ وَسَدُّهَا وَحِيَاطَتُهَا) أَيْ حِفْظُهَا (وَاجِبٌ) عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ (يَحْمِلُهُ مَنْ قَامَ بِهِ) عَنْ غَيْرِهِ كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَفِيهِ فَضْلٌ كَبِيرٌ حَتَّى قِيلَ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ، وَقَدْ صَحَّ: «مَنْ رَابَطَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>