للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَمَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَمَا أَعَانَ عَلَى مَوْتِهِ تَرَدٍّ مِنْ جَبَلٍ أَوْ وَقْذَةٍ بِعَصًا أَوْ غَيْرِهَا وَالْمُنْخَنِقَةُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ كَالْمَيْتَةِ وَذَلِكَ إذَا صَارَتْ بِذَلِكَ إلَى حَالٍ لَا حَيَاةَ بَعْدَهُ فَلَا ذَكَاةَ فِيهَا،

ــ

[الفواكه الدواني]

الْجَاهِ وَهُوَ مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى شَفَاعَةٍ سَوَاءٌ اشْتَرَطَهُ الشَّافِعُ عَلَى الْمَشْفُوعِ لَهُ أَمْ لَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَأْخُذُهُ الْكَبِيرُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ مَوْضِعِ الْخَوْفِ إلَى الْأَمْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَحُرْمَةُ السُّحْتِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. فَفِي الْحَدِيثِ: «كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ بِالسُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» .

(وَ) مِنْ أَنْوَاعِ الْبَاطِلِ (الْقِمَارُ) وَهُوَ مَا يَأْخُذُهُ الشَّخْصُ مِنْ غَيْرِهِ بِسَبَبِ الْمُغَالَبَةِ عِنْدَ اللَّعِبِ بِنَحْوِ الطَّابِ أَوْ الْمُسَابِقَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ.

(وَ) مِنْ أَنْوَاعِ الْبَاطِلِ أَيْضًا (الْغَرَرُ) الَّذِي لَا يَغْتَفِرُهُ الشَّرْعُ وَهُوَ الْكَثِيرُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَاغْتُفِرَ غَرَرٌ يَسِيرٌ لِلْحَاجَةِ كَالشُّرْبِ مِنْ السِّقَاءِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ كَشِرَاءِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ وَالْمُزَابَنَةُ كَبَيْعِ الثَّمَرِ بِمِثْلِهِ عَلَى أَصْلِهِ بِالْخَرْصِ. (وَ) مِنْ أَنْوَاعِ الْبَاطِلِ أَيْضًا (الْغِشُّ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ وَالشَّيْنِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ إظْهَارُ خِلَافِ مَا فِي الْوَاقِعِ كَخَلْطِ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ لِتَكْثِيرِهِ، وَكَخَلْطِ السَّمْنِ بِمَا يُشْبِهُ لَوْنَهُ لِيَظْهَرَ لِلْغَيْرِ أَنَّ الْجَمِيعَ جَيِّدٌ، وَمِنْ الْغِشِّ الْكِيمْيَاءُ وَوَضْعُ نَحْوِ الْكَتَّانِ فِي النَّدَى لِيَثْقُلَ، وَتَلَطُّخُ الثِّيَابُ بِالنَّشَا، وَسَقْيُ الْحَيَوَانِ الْمَاءَ عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهِ بَعْدَ إطْعَامِهِ شَيْئًا مِنْ الْمِلْحِ، وَخَلْطُ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْغِشَّ كَمَا يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ يَكُونُ فِي الْأَدْيَانِ، كَأَنْ يَرَى الشَّخْصُ غَيْرَهُ أَنَّهُ صَالِحٌ أَوْ عَالِمٌ أَوْ زَاهِدٌ وَهُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةً وَهِيَ: لَوْ أَعْطَاك شَخْصٌ شَيْئًا لِوَصْفٍ يَعْتَقِدُهُ فِيك مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ وَأَنْتَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَك قَبُولُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَطَاءِ عَلَى شَرْطٍ. وَالْغِشُّ حُرْمَتُهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . (وَ) مِنْ أَنْوَاعِ الْبَاطِلِ أَيْضًا (الْخَدِيعَةُ) وَهِيَ لَبَنُ الْكِلَابِ أَوْ تَحْسِينُ الْفِعْلِ لِلْغَيْرِ لِقَصْدِ التَّوَصُّلِ إلَى غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَمَا يَفْعَلُهُ التَّاجِرُ مَعَ مُرِيدِ الشِّرَاءِ.

(وَ) مِنْ الْبَاطِلِ أَيْضًا (الْخِلَابَةُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ هِيَ الْخَدِيعَةُ فَعَطْفُهَا عَلَيْهَا مِنْ عَطْفِ الشَّيْءِ عَلَى مُرَادِفِهِ الْمُخَالِفِ لَهُ فِي اللَّفْظِ الْمُوَافِقِ لَهُ فِي الْمَعْنَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَنْوَاعَ الْبَاطِلِ لَا خِلَافَ فِي حُرْمَتِهَا، مَنْ اسْتَحَلَّ شَيْئًا مِنْهَا كَفَرَ، وَإِنْ كَانَتْ حُرْمَتُهُ مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَمَنْ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَالٍ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْهُ وَيَجِبُ رَدُّهُ أَوْ عَرَضُهُ لِرَبِّهِ أَوْ وَارِثِهِ حَيْثُ عَرَفَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْحَرَامِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْغَيْرِ شَرَعَ فِي الْحَرَامِ لِتَحْرِيمِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ:

[أَكْلَ الْمَيْتَةِ]

(وَحَرَّمَ اللَّهُ) عَزَّ وَجَلَّ (أَكْلِ الْمَيْتَةِ) مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَحَقِيقَةُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كُلُّ مَا خَرَجَتْ رُوحُهُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ مِمَّا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا، وَذَلِكَ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْوَحْشِيَّةِ الْبَرِّيَّةِ وَلَوْ جَرَادَةً تَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِهَا، وَأَمَّا لِلضَّرُورَةِ فَيَجُوزُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَلِلضَّرُورَةِ مَا يَسُدُّ غَيْرَ آدَمِيٍّ وَخَمْرٍ، وَأَمَّا الْحَيَوَانَاتُ الْبَحْرِيَّةُ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى ذَكَاةٍ فَتَحِلُّ مَيْتَتُهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» . (وَ) وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (الدَّمَ) الْمَسْفُوحَ الْخَارِجَ مِنْ مَحَلِّهِ وَلَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ وَذُبَابٍ أَوْ خَارِجٍ مِنْ الْمُذَكَّى بَعْدَ تَقْطِيعِ لَحْمِهِ لَا مَا بَقِيَ فِي الْعُرُوقِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ مِنْ اللَّحْمِ بِحَالٍ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ كَدَمِ حُوتٍ طُبِخَ أَوْ شُوِيَ مِنْ غَيْرِ تَقْطِيعِهِ، هَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ خَلِيلٍ دُونَ مَا قَرَّرَهُ شَيْخُ شُيُوخِنَا.

(وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْلَ (لَحْمِ) وَشُرْبَ لَبَنِ (الْخِنْزِيرِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ، وَالْمُرَادُ الْخِنْزِيرُ الْبَرِّيُّ لِإِبَاحَةِ أَكْلِ خِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ وَآدَمِيِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ حُرْمَةِ خِنْزِيرِ الْبَرِّ فَقِيلَ لِلتَّعَبُّدِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْغَيْرَةَ. (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَيْضًا أَكْلَ (مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَ) هُوَ (مَا ذُبِحَ) أَيْ ذُكِّيَ (لِغَيْرِ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] وَعُورِضَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الضَّحَايَا وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَّاهُ نَحْوُ الْمَجُوسِيِّ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَا تَقَدَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَّاهُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّا هُوَ حَلَالٌ لَهُمْ وَمَمْلُوكٌ لَهُمْ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ لَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] . وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا مُتَنَاوِلٌ حَتَّى لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا ذَكَرَ عَلَيْهِ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ بِأَنْ ذَبَحَ بِاسْمِ الصَّنَمِ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، لِأَنَّ حِلَّ مَا ذَكَّاهُ الْكِتَابِيُّ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَذْكُرَ عَلَيْهِ نَحْوَ اسْمِ الصَّنَمِ.

(وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَيْضًا أَكْلَ (مَا أَعَانَ عَلَى مَوْتِهِ تَرَدٍّ) أَيْ سُقُوطٌ. (مِنْ) فَوْقُ نَحْوُ (جَبَلٍ أَوْ) أَعَانَ عَلَى مَوْتِهِ (وَقْذَةٌ) أَيْ ضَرْبَةٌ (بِعَصًا أَوْ غَيْرِهَا) مِنْ حَجَرٍ.

(وَ) حَرَّمَ اللَّهُ أَيْضًا (الْمُنْخَنِقَةَ) أَيْ الْمَمْسُوكَةَ بِعُنُقِهَا (بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) وَكَذَا النَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ شَيْئًا مِنْهَا قَالَ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: ٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>