للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ وَمِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ وَيَعُودَهُ إذَا مَرِضَ وَيُشَمِّتَهُ إذَا

ــ

[الفواكه الدواني]

يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» . فَالنَّصِيحَةُ لِلَّهِ أَنْ يَصِفَهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ سَائِرِ الصِّفَاتِ الْوَاجِبَةِ لَهُ وَيُنَزِّهَهُ عَنْ سَائِرِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ. وَالنَّصِيحَةُ لِرَسُولِهِ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ وَبِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ وَيَمْتَثِلَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَيُحْيِيَ سُنَّتَهُ بِتَعْلِيمِهَا لِلنَّاسِ وَيُحَافَظَ عَلَى شَرِيعَتِهِ بِالْعَمَلِ بِهَا. وَالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِهِ أَنْ يَتَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيَمْتَثِلَ أَوَامِرَهُ وَيَجْتَنِبَ نَوَاهِيَهُ وَيَتْلُوَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ مَعَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ. وَالنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ امْتِثَالُ أَوَامِرِهِمْ وَقَوَانِينِهِمْ الْمُوَافَقَةِ لِلشَّرْعِ مِنْ الْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْ يُبَلِّغَ لَهُمْ أُمُورَ الْعَامَّةِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَوْرِ، وَهَذَا إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ. وَالنَّصِيحَةُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مُعَامَلَتُهُمْ بِالصِّدْقِ فَلَا يَغُشَّهُمْ وَلَا يَكْذِبَ عَلَيْهِمْ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النَّصِيحَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَاجِبَةٌ سَوَاءٌ طَلَبُوا ذَلِكَ أَوْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ.

قَالَ الشَّاذِلِيُّ: وَبِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَقُولُ: فَمَنْ رَأَى شَخْصًا لَا يُحْسِنُ الْوُضُوءَ أَوْ الصَّلَاةَ أَوْ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ دِينِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إرْشَادُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ جَاهِلًا يُعَلِّمُهُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا يَنْصَحُهُ لِفِعْلِ الصَّوَابِ بِالزَّجْرِ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ الْبَاطِلِ، وَتَكُونُ النَّصِيحَةُ بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ وَالرِّفْقِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى قَبُولِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ كَالتَّأْكِيدِ لِمَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ:

[حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ]

(وَلَا يَبْلُغُ أَحَدٌ) كَمَالَ (حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ) قَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ (حَتَّى يُحِبَّ) بِالنَّصْبِ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ (لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ) مِنْ الْخَيْرِ مِثْلَ (مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) إذْ عَيْنُهُ مُحَالٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ عَيْنُهُ فِي مَحَلَّيْنِ. (كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ لَوْ قَالَ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِيغَةِ الْجَزْمِ لِأَنَّ صِيغَةَ رُوِيَ وَذَكَرَ تُشْعِرُ بِالتَّمْرِيضِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَلَفْظُ الْمَرْوِيِّ مَا فِي مُسْلِمٍ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ: لَا يَكْمُلُ إيمَانُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ فِي الْإِسْلَامِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَتَكُونُ الْمَحَبَّةُ بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، وَيَبْغَضُ لَهُ مِثْلُ مَا يَبْغَضُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الْإِيمَانِ اكْتِفَاءً بِذَكَرِ ضِدِّهِ عَلَى حَدِّ: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: ٨١] أَيْ وَالْبَرْدَ، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُبَّ الشَّيْءِ مُسْتَلْزِمٌ لِبُغْضِ نَقِيضِهِ، وَبِقَوْلِنَا مِنْ الْخَيْرِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ انْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَطْءَ حَلِيلَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ وَطْأَهَا مَعَ كَوْنِهَا حَلِيلَتَهُ لِحُرْمَةِ ذَلِكَ، وَالِانْدِفَاعُ بِوَجْهَيْنِ: التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْخَيْرِ فِي الرِّوَايَةِ، وَثَانِيهمَا أَنَّ كَامِلَ الْإِيمَانِ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ ذَلِكَ لِحُرْمَتِهِ، نَعَمْ التَّعْبِيرُ بِأَخِيهِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَيُحِبُّ لِلْكَافِرِ الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ وَسَائِرُ الْكَمَالَاتِ الدِّينِيَّةِ كَمَا يُحِبُّهَا لِنَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلْكَافِرِ بِالْهِدَايَةِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ إيمَانُ الشَّخْصِ إلَّا إذَا أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَحْسَنَ النَّاسِ عِلْمًا وَوَرَعًا وَزُهْدًا، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ فِي أَوْصَافِ الْخَيْرِ بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ شَيْئًا، وَهَذَا أَمْرٌ سَهْلٌ عَلَى أَصْحَابِ الْقُلُوبِ، وَإِنَّمَا يَعْسُرُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكْمُلْ إيمَانُهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِيَّةِ الْمُشَارَكَةُ فِي أَوْصَافِ الْكَمَالِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِكَفِّ الْأَذَى وَالْحَسَدِ، فَفِي الْحَدِيثِ: «اُنْظُرْ مَا تُحِبُّ أَنْ يَصْنَعَهُ غَيْرُك مَعَك اصْنَعْهُ مَعَهُ» وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِلْأَحْنَفِ: مِمَّنْ تَعَلَّمْت الْحِلْمَ؟ قَالَ: مِنْ نَفْسِي، قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كُنْت إذَا كَرِهْت شَيْئًا مِنْ غَيْرِي لَمْ أَفْعَلْ بِأَحَدٍ مِثْلَهُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَحْصُلُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَهُ أَرْكَانٌ أُخَرُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذِكْرَ الْمَحَبَّةِ مُبَالَغَةٌ لِأَنَّهَا الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ لِلْإِيمَانِ الْكَامِلِ نَحْوَ الْحَجُّ عَرَفَةَ، أَوْ هِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِبَقِيَّةِ أَرْكَانِهِ، وَحَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحِبَّ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَيْلُ الِاخْتِيَارِيُّ دُونَ الطَّبِيعِيِّ، إذْ لَا قُدْرَةَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى تَحْصِيلِهِ، كَمَيْلِهِ إلَى أَنْ يَكُونَ أَوَرَعَ أَوْ أَعْلَمَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِمَحَبَّةِ أَخِيهِ عَنْ مَحَبَّةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِي وُجُودِ الْإِيمَانِ، فَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ. (وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَيْضًا (أَنْ يَصِلَ) أَيْ يَزُورَ (رَحِمَهُ) أَيْ قَرَابَتَهُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ بَعُدُوا سَوَاءٌ الْوَارِثُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتَكُون الصِّلَةُ بِالزِّيَارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِبَذْلِ الْمَالِ وَبِالْقَوْلِ الْحَسَنِ، وَبِالسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ وَالصَّفْحِ عَنْ زَلَّاتِهِمْ وَبِالْمَعُونَةِ لَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا يُطْلَبُ مِنْ الْمُسْلِمِ لَهُمْ إلَّا بِرَّ وَالِدَيْهِ، وَأَمَّا الصِّلَةُ وَمَا شَابَهَهَا مِمَّا يَسْتَدْعِي كَثْرَةَ التَّرَدُّدِ وَمَحَبَّةَ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ فَلَا، قَالَ تَعَالَى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: ٢٢] وَالصِّلَةُ بِالزِّيَارَةِ إنَّمَا تَكُونُ مِمَّنْ قَرُبَ مِنْ مَحَلِّ أَرْحَامِهِ، وَأَمَّا بَعِيدُ الْمَحَلِّ فَتَكُونُ زِيَارَتُهُ بِالْكُتُبِ إلَيْهِ أَوْ إرْسَالِ الرَّسُولِ، دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّةِ صِلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>