للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُرْآنِ بِاللُّحُونِ الْمُرَجَّعَةِ كَتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ وَلْيُجَلَّ كِتَابُ اللَّهِ الْعَزِيزِ أَنْ يُتْلَى إلَّا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَمَا يُوقَنُ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِهِ وَيُقَرِّبُ مِنْهُ مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ لِذَلِكَ.

وَمِنْ الْفَرَائِضِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ عَلَى كُلِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ فِي الْأَرْضِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ تَصِلُ يَدُهُ إلَى ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِقَلْبِهِ وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُرِيدَ

ــ

[الفواكه الدواني]

مُشَاهَدٌ الْيَوْمَ لِبَعْضِ النَّاسِ. (وَلَا) يَحِلُّ لَك أَيْضًا (أَنْ تَتَلَذَّذَ بِسَمَاعِ كَلَامِ امْرَأَةٍ) وَلَوْ بِالْقُرْآنِ حَيْثُ كَانَتْ (لَا تَحِلُّ لَك) وَلِذَلِكَ يُطْلَبُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْإِسْرَارَ بِقِرَاءَتِهَا وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَلَوْ عِنْدَ مَحْرَمِهَا، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ فِي حُرْمَةِ التَّلَذُّذِ بِكَلَامِهَا الْأَمْرَدُ، وَأَمَّا سَمَاعُ كَلَامِهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ تَلَذُّذٍ بِهِ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، وَأَمَّا قَصْدُ الِالْتِذَاذِ بِكَلَامِ مَنْ تَحِلُّ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ فَلَا حَرَجَ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ نَوْعِ مَا لَا يَصْدُرُ إلَّا مِنْ الزَّوْجَةِ وَحَرَّرَهُ. (وَلَا) يَحِلُّ لَك أَيْضًا أَنْ تَتَعَمَّدَ (سَمَاعَ شَيْءٍ مِنْ الْمَلَاهِي) كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَالْعُودِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْغِرْبَالُ وَهُوَ الدُّفُّ الْمَعْرُوفُ بِالطَّارِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهُ وَسَمَاعُهُ فِي النِّكَاحِ.

قَالَ خَلِيلٌ مُخْرِجًا مِنْ الْكَرَاهَةِ لَا الْغِرْبَالَ وَلَوْ لِرَجُلٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ جَلَاجِلُ أَوْ صَرَاصِيرُ كَمَا فِي الْأُجْهُورِيِّ، وَأَمَّا الْكِبْرُ وَهُوَ الطَّبْلُ الْكَبِيرُ وَالْمِزْهَرُ فَفِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَفِي الْكِبْرِ وَالْمِزْهَرِ ثَالِثُهَا يَجُوزُ فِي الْكِبْرِ ابْنُ كِنَانَةَ وَتَجُوزُ الزَّمَّارَةُ وَالْبُوقُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ وَغَيْرِهِ الْمَنْعُ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ لِخَبَرِ «كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الْمُؤْمِنُ بَاطِلٌ إلَّا مُلَاعَبَةَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَرَمْيَهُ عَنْ قَوْسِهِ» وَالْبَاطِلُ خِلَافُ الْحَقِّ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَالْأَصْلُ فِي النَّهْيِ التَّحْرِيمُ.

وَبَحَثَ الْغَزَالِيُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى حُرْمَةِ سَمَاعِ الْمَلَاهِي إذْ غَايَةُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى سَمَاعِهَا عَدَمُ الْفَائِدَةِ. وَيُؤَيِّدُ بَحْثَ الْغَزَالِيِّ قَوْلُ الْفَاكِهَانِيِّ مِنْ عُلَمَائِنَا: لَا أَعْلَمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ آيَةً صَرِيحَةً وَلَا فِي السُّنَّةِ حَدِيثًا صَحِيحًا صَرِيحًا فِي تَحْرِيمِ الْمَلَاهِي، وَإِنَّمَا هِيَ ظَوَاهِرُ وَعُمُومَاتٌ تُوهِمُ الْحُرْمَةَ لَا أَدِلَّةٌ قَطْعِيَّةٌ. (وَلَا) يَحِلُّ لَك أَيْضًا سَمَاعُ (الْغِنَاءِ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَالْمَدِّ وَهُوَ الصَّوْتُ الْمُتَقَطِّعُ الَّذِي فِيهِ تَرَنُّمٌ لِتَحْرِيكِ الْقَلْبِ وَالْمُحَرَّمُ سَمَاعُهُ مَا كَانَ بِآلَةٍ وَمِمَّنْ يُلْتَذُّ بِصَوْتِهِ وَإِلَّا كَانَ مَكْرُوهًا.

قَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ: صِفَةُ الْغِنَاءِ الَّذِي مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ مَا كَانَ مِنْ أَشْعَارِ الْعَرَبِ لِلتَّهْيِيجِ عَلَى فِعْلِ الْكَرْمِ وَالْمُفَاخَرَةِ بِالشَّجَاعَةِ وَالْغَلَبَةِ، وَالْمُحَرَّمُ مَا كَانَ مُشَوِّقًا لِفِعْلِ الْفَوَاحِشِ وَمُشْتَمِلًا عَلَى تَكَسُّرٍ أَوْ فِعْلِ شَيْءٍ مِمَّا لَا يَحِلُّ كَالتَّشْبِيبِ بِأَهْلِ الْجَمَالِ، وَقَالَ بَهْرَامَ فِي الشَّامِلِ: وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحِ وَالنَّائِحَةِ، وَسَمَاعُ الْعُودِ حَرَامٌ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا فِي عُرْسٍ أَوْ صَنِيعٍ لَيْسَ فِيهِ شَرَابٌ مُسْكِرٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ فَقَطْ انْتَهَى، وَغَيْرُ الْعُودِ مِنْ بَقِيَّةِ الْآلَاتِ الَّتِي يُلْعَبُ بِهَا يَجْرِي فِيهَا مَا فِي الْعُودِ، وَأَمَّا سَمَاعُ الْمُتَصَوِّفَةِ الْمَعْرُوفُ بِالتَّحْزِينَةِ فَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ حَيْثُ يَحْصُلُ بِالسَّمَاعِ إرْشَادٌ أَوْ زِيَادَةُ يَقِينٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَبُ شَرْعًا، وَلَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يُنْكَرُ كَاجْتِمَاعِ نِسَاءٍ أَوْ صِبْيَانٍ يُتَوَقَّعُ الِالْتِذَاذُ بِهِمْ وَإِلَّا مُنِعَ، وَاعْلَمْ أَنْ مَا لَا يَحِلُّ سَمَاعُهُ لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ عَلَى مَا يَظْهَرُ، وَأَمَّا الْغِنَى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ فَهُوَ الْيَسَارُ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ فَهُوَ النَّفْعُ. (وَلَا) يَحِلُّ لَك أَيْضًا (قِرَاءَةُ) شَيْءٍ مِنْ (الْقُرْآنِ بِاللُّحُونِ الْمُرَجَّعَةِ) أَيْ الْأَصْوَاتِ الَّتِي يُرَجِّعُهَا الْقَارِئُ. (كَتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ) وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْحِلِّ الْكَرَاهَةُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ التَّرْجِيعُ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ، كَقَصْرِ الْمَمْدُودِ وَمَدِّ الْمَقْصُورِ، وَكَمَا لَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يَحِلُّ سَمَاعُهَا، لِأَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالصَّوْتِ الْحَسَنِ مَعَ النَّغَمَاتِ الْمَعْرُوفَةِ بِنَحْوِ عُشَّاقٍ مَعَ تَجْوِيدِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ، بَلْ يُكْسِبُ السَّامِعَ الْخُشُوعَ وَالِاتِّعَاظَ بِكَلِمَاتِ الْقُرْآنِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ مِنَّا مِنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ بِسَمَاعِهِ لِرِقَّةِ قَلْبِهِ وَشَوْقِهِ إلَى مَا عِنْدَ رَبِّهِ، كَمَا يُلْتَذُّ أَهْلُ الْغَوَانِي بِسَمَاعِ غَوَانِيهِمْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوَاجِبُ احْتِرَامُ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَلِيُجِلَّ كِتَابَ اللَّهِ الْعَزِيزِ) أَيْ يَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ عَنْ (أَنْ يُتْلَى إلَّا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ) أَيْ طُمَأْنِينَةٍ وَتَعْظِيمٍ.

(وَ) يَقْرَؤُهُ الْقَارِئُ عَلَى (مَا يُوقِنُ أَنَّ اللَّهَ) تَعَالَى (يَرْضَى بِهِ) مِنْ الْأَحْوَالِ (وَيُقَرِّبُ) بِشَدِّ الرَّاءِ (مِنْهُ) بِأَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى طَهَارَةٍ وَفِي مَكَان طَاهِرٍ وَمِنْ جُلُوسٍ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ، وَ (مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ لِذَلِكَ) الَّذِي يَتْلُوهُ بِأَنْ يُلَاحِظَ أَنَّهُ الْمَنْهِيُّ عِنْدَ آيَةِ النَّهْيِ، وَأَنَّهُ الْمَأْمُورُ عِنْدَ آيَةِ الْأَمْرِ، لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ: «لَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَا تَدَبُّرَ فِيهَا» .

[الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ]

(وَمِنْ الْفَرَائِضِ) عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ بِهِ، وَالْمُنْكَرُ كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ عَنْهُ، وَقَدَّمَ الْمَعْرُوفَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهُ عَلَى الْمُنْكَرِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا، وَأَيْضًا أَمَرَ إبْلِيسَ بِالسُّجُودِ أَوَّلًا وَنَهَى آدَمَ بَعْدَهُ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الْمَذْكُورَانِ (عَلَى كُلِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ) أَيْ انْتَشَرَ حُكْمُهُ (فِي الْأَرْضِ) لِكَوْنِهِ سُلْطَانًا أَوْ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا.

(وَ) كَذَا يَجِبُ (عَلَى كُلِّ مَنْ تَصِلُ يَدُهُ) مِنْ غَيْرِ الْحُكَّامِ (إلَى ذَلِكَ) مِمَّنْ لَهُ شَأْنٌ وَعَظَمَةٌ فِي نُفُوسِ النَّاسِ بِحَيْثُ يُمْتَثَلُ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ لِعُمُومِ آيَةِ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١٠٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>