للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابٌ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَإِذَا أَكَلْت أَوْ شَرِبْت فَوَاجِبٌ عَلَيْك أَنْ تَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ

وَتَتَنَاوَلَ بِيَمِينِك

فَإِذَا فَرَغْت فَلْتَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ

وَحَسَنٌ أَنْ تَلْعَقَ يَدَك قَبْلَ مَسْحِهَا

وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَنْ تَجْعَلَ بَطْنَك ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ

وَإِذَا أَكَلْت مَعَ غَيْرِك

ــ

[الفواكه الدواني]

[بَابٌ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ]

(بَابٌ فِي) بَيَانِ آدَابِ اسْتِعْمَالِ (الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا غِنَى لَهُ عَنْهُمَا، جَعَلَهُمَا - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - سَبَبًا لِبَقَاءِ بِنْيَتِهِ وَتَقْوِيَتِهِ عَلَى الطَّاعَةِ، فَيَنْبَغِي لَهُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِمَا أَنْ يَقْصِدَ بِهِمَا قِيَامَ الْبِنْيَةِ وَالتَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ لَا مُجَرَّدَ شَهْوَةِ النَّفْسِ، وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ، إذْ كَثِيرًا مَا يَنْقَلِبُ الْمُبَاحُ طَاعَةً بِحَيْثُ يُثَابُ عَلَيْهِ الْفَاعِلُ بِالنِّيَّةِ، وَهَذَا شَأْنُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَقَعُ الْمُبَاحُ مِنْهُمْ إلَّا عَلَى وَجْهٍ بِحَيْثُ يُثَابُونَ عَلَيْهِ، وَالْآدَابُ الْمَذْكُورَةُ مِنْهَا سَابِقٌ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمِنْهَا لَاحِقٌ، وَمِنْهَا مُقَارِنٌ، فَمِنْ السَّابِقَةِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا أَكَلْت أَوْ شَرِبْت) أَيْ أَرَدْت فِعْلَهُمَا (فَوَاجِبٌ عَلَيْك) وُجُوبَ السُّنَنِ (أَنْ تَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَقِيلَ تَقْتَصِرُ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى التَّسْمِيَةِ: «وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتنَا» وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لَبَنًا تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ: وَزِدْنَا مِنْهُ، وَيُنْدَبُ الْجَهْرُ بِهَا لِيَتَنَبَّهَ الْغَافِلُ عَنْهَا وَيَتَعَلَّمَ الْجَاهِلُ، وَإِذَا نَسِيَهَا فِي أَوَّلِهِ أَتَى بِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَقَايَأُ مَا أَكَلَهُ، وَالْمُرَادُ يَتَقَايَؤُهُ خَارِجَ الْإِنَاءِ، وَالتَّسْمِيَةُ سُنَّةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ.

(وَ) الْآدَابُ الْمُقَارِنَةُ أَنْ (تَتَنَاوَلَ) الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ (بِيَمِينِك) عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ لِخَبَرِ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ» . وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي أَكْلِهِ فَقِيلَ حَقِيقَةً وَقِيلَ مَجَازًا عَنْ الشَّمِّ وَفِيهِ شَيْءٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَتَقَايَأُ مَا أَكَلَهُ،

وَمِنْ الْآدَابِ اللَّاحِقَةِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا فَرَغْت) مِنْ الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ (فَلْتَقُلْ) عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ سِرًّا (الْحَمْدُ لِلَّهِ) لِأَنَّ اللَّهَ رَضِيَ عَنْهُ بِالْحَمْدِ بَعْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَأَيْضًا كَانَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ طَعَامِهِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ» . وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ نَدْبِ إسْرَارِ الْحَمْدِ وَإِجْهَارِ التَّسْمِيَةِ مَا سَبَقَ مِنْ تَذْكِيرِ النَّاسِي لَهَا، وَلِئَلَّا يَحْصُلَ الْحَيَاءُ وَالْخَجَلُ لِمَنْ يَشْبَعُ إذَا سَمِعَ حَمْدَ غَيْرِهِ.

وَمِنْ الْآدَابِ اللَّاحِقَةِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَحَسَنٌ) بِلَفْظِ الِاسْمِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ أَيْ مُسْتَحَبٌّ وَمُبْتَدَؤُهُ (أَنْ تَلْعَقَ) أَيْ تَلْحَسَ (يَدَك قَبْلَ مَسْحِهَا) لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامَهُ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا» زَادَ التِّرْمِذِيُّ: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي الْبَرَكَةَ فِي أَوَّلِ طَعَامِهِ أَوْ آخِرِهِ» وَلِمَا وَرَدَ أَيْضًا مِنْ «أَنَّ مَنْ لَعِقَ الْقَصْعَةَ مِنْ الطَّعَامِ وَغَسَلَهَا وَشَرِبَ ذَلِكَ عُوفِيَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ هُوَ وَوَلَدُهُ» وَنَحْوِ هَذَا، وَجَاءَ أَيْضًا: «مَنْ الْتَقَطَ فُتَاتًا مِنْ الْأَرْضِ أَوْ أَكَلَهَا كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً» وَجَاءَ فِي الْتِقَاطِ مَا يَقَعُ مِنْ الطَّعَامِ أَنَّهُ مَهْرُ الْحُورِ الْعِينِ، وَجَاءَ أَنَّهُ مَنْ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَزَلْ فِي سَعَةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ يَدِك أَصَابِعُك وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْيَدِ فِي نُسْخَةِ يَدِك، لِأَنَّ الْيَدَ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْكَفِّ تُطْلَق عَلَى الْأَصَابِعِ، وَالْمُرَادُ هُنَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي مُسْلِمٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا» قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَسُنَنِهِ، وَالْأَكْلُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا إنَّمَا هُوَ شَرَهٌ وَسُوءُ أَدَبٍ، إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ لِلْأَكْلِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِرِقَّةِ الطَّعَامِ مَثَلًا.

وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ: تَلْعَقُ يَدَك أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِجَمِيعِ أَصَابِعِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ التِّلْمِسَانِيِّ: يَبْدَأُ فِي لَعْقِ أَصَابِعِهِ مِنْ الْخِنْصَرِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ السَّبَّابَةِ، وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي مُسْلِمٍ لَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ التِّلْمِسَانِيُّ، لِأَنَّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي حَصْرَ الْأَكْلِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: قَبْلَ مَسْحِهَا أَنَّهُ يَمْسَحُهَا بِمِنْدِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَغْسِلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي طَعَامِهِ غَمَرٌ نَحْوُ اللَّبَنِ وَالزَّيْتِ وَاللَّحْمِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ غَسْلُ فَمٍ مِنْ لَحْمٍ وَلَبَنٍ وَالْيَدُ كَذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمَنْدُوبَ لَعْقُهَا قَبْلَ مَسْحِهَا أَوْ غَسْلِهَا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي الْمَسْحُ بَعْدَ اللَّعْقِ فِيمَا لَا غَمَرَ فِيهِ، وَمَا فِيهِ غَمَرٌ يُنْدَبُ غَسْلُهَا بَعْدَ لَعْقِهَا.

[آدَابِ الْأَكْلِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ]

(وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ) الْمُقَارِنَةِ لَهُ (أَنْ تَجْعَلَ بَطْنَك) ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ (ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا

<<  <  ج: ص:  >  >>