للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ شِئْت

وَلَا تَعُبَّ الْمَاءَ عَبًّا وَلْتَمُصَّهُ مَصًّا

وَتَلُوكُ طَعَامَك وَتُنَعِّمُهُ مَضْغًا قَبْلَ بَلْعِهِ

وَتُنَظِّفُ فَاك بَعْدَ طَعَامِك وَإِنْ غَسَلْت يَدَك مِنْ الْغَمَرِ وَاللَّبَنِ فَحَسَنٌ

وَتُخَلِّلُ مَا تَعَلَّقَ بِأَسْنَانِك مِنْ الطَّعَامِ

وَنَهَى الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الْأَكْلِ

ــ

[الفواكه الدواني]

فِي أَثْنَاءِ الْأَكْلِ وَهُوَ الْمَوْضُوعُ فَيَبَرُّ بِثَلَاثٍ، وَإِنْ يَكُنْ فِي ابْتِدَائِهِ فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِشِبَعِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَيَعْلَمُ بِإِقْرَارِهِ.

[الْآدَابِ الْمُقَارِنَةِ لِلشُّرْبِ]

(وَ) مِنْ الْآدَابِ الْمُقَارِنَةِ لِلشُّرْبِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَك أَنْ (لَا تَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ شُرْبِك) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ وَأَمَرَ مُرِيدَ التَّنَفُّسِ بِإِبَانَةِ الْقَدَحِ عَنْ فِيهِ وَقْتَ تَنَفُّسِهِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَنْفَصِلُ مِنْ فِيهِ عِنْدَ التَّنَفُّسِ لُعَابٌ وَهُوَ سُمٌّ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِهِ. (وَلْتُبِنْ) أَيْ تُبْعِدُ (الْقَدَحَ عَنْ فِيك) عِنْدَ إرَادَةِ التَّنَفُّسِ حَتَّى تَتَنَفَّسَ. (ثُمَّ تُعَاوِدُهُ إنْ شِئْت) لِخَبَرِ: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَفَّسْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ» وَذُكِرَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَشْرَبُ ثُمَّ يُبِينُ الْقَدَحَ وَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يُبِينُهُ وَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَشْرَبُ ثُمَّ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ» وَالْحَدِيثُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مُرِيدِ إعَادَةِ الشُّرْبِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ شِئْت، فَلَا يُنَافِي جَوَازَ الشُّرْبِ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ.

وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يُكْرَهُ الشُّرْبُ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ لِمَا وَرَدَ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَشْرَبُ مِنْ ثَلَاثَةٍ» وَقَالَ: «إنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ وَأَبْرَأُ» وَلِمَا قِيلَ إنَّهُ يُؤْذِي الْكَبِدَ.

(وَ) مِنْ آدَابِ الشُّرْبِ أَيْضًا أَنَّك (لَا تَعُبُّ الْمَاءَ عَبًّا) أَيْ لَا تَبْتَلِعُهُ كَابْتِلَاعِ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْعَبِّ» . (وَلْتَمَصَّهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ مُضَارِعُ مَصِصَ بِالْكَسْرِ (مَصًّا) أَيْ تَبْتَلِعُهُ بِرِفْقٍ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْك صَوْتٌ بِشُرْبِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمَصَّهُ مَصًّا» وَتَقَدَّمَ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ أَهْنَأُ وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِعُرُوقِ الْجَسَدِ، بِخِلَافِ عَبِّهِ رُبَّمَا يَأْخُذُ عِرْقٌ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُهُ فَيَتَأَذَّى صَاحِبُهُ، أَلَا تَرَى الْمَطَرَ الرَّقِيقَ الدَّائِمَ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ لِلْأَرْضِ مِنْ الْوَابِلِ الَّذِي يَنْقَطِعُ سَرِيعًا قَدْ يَذْهَبُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَلَا يُدَاخِلُهَا كَالرَّقِيقِ الدَّائِمِ، وَمِثْلُ الْمَاءِ اللَّبَنُ وَالْعَسَلُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ كُلِّ مَائِعٍ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ. .

(وَ) مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ أَيْضًا أَنَّك (تَلُوكُ طَعَامَك) أَيْ تَمْضَغُهُ (وَتُنَعِّمُهُ مَضْغًا) أَيْ بِالْمَضْغِ (قَبْلَ بَلْعِهِ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعِدَةِ وَلِأَنَّهُ إذَا أَدْخَلَهُ قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ فِي مَضْغِهِ رُبَّمَا يَغَصُّ بِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ أَوْ الْخَجَلُ مِنْ الْمُصَاحِبِينَ لَهُ. .

(وَ) مِنْ الْآدَابِ اللَّاحِقَةِ لِلْأَكْلِ أَيْضًا أَنَّهُ يُنْدَبُ لَك أَنْ (تُنَظِّفَ فَاك بَعْدَ) أَكْلِك (طَعَامَك) الَّذِي فِيهِ الدَّسَمُ كَاللَّحْمِ وَالزَّيْتِ وَاللَّبَنِ بِالْمَضْمَضَةِ مَعَ الِاسْتِيَاكِ وَلَوْ بِإِصْبَعِكَ لِتُزِيلَ أَثَرَ الطَّعَامِ مِنْ أَسْنَانِك، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ فَاهُ وَقَالَ: إنَّ فِيهِ دَسَمًا» وَإِنَّمَا نُدِبَ تَنْظِيفُهُ لِدَفْعِ مَا يَبْقَى مِنْ تَغْيِيرِ طَعْمِ الْفَمِ، وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي نَدْبَ التَّنْظِيفِ وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ لَا دَسَمَ فِيهِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ فِيهِ دَسَمًا يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَا دَسَمَ فِيهِ لَا يُنْدَبُ تَنْظِيفُهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي نَدْبَ التَّنْظِيفِ مُطْلَقًا. (وَإِنْ غَسَلْت يَدَك مِنْ الْغَمَرِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْمِيمِ رِيحُ الطَّعَامِ، (وَ) مِنْ (اللَّبَنِ) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ دَسَمٌ (فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ غَسْلُ فَمٍ مِنْ لَحْمٍ وَلَبَنٍ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مِنْ اللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَيُقِلَّ الْغَمَرُ، وَالنَّدْبُ عَامٌّ أَرَادَ الصَّلَاةَ أَمْ لَا، خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَيَتَأَكَّدُ النَّدْبُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ خَلِيلٍ وَالْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ غَسْلُ الْفَمِ وَتَنْظِيفُهُ وَلَا الْيَدِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَأْكُولُ أَوْ الْمَشْرُوبُ فِيهِ دَسَمٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ لَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» . مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا لَا غَمَرَ فِيهِ وَلَا دَسَمَ كَالْعَدَسِ وَالتَّمْرِ لَا يُنْدَبُ لَهُ غَسْلُ يَدَيْهِ مِنْهُ وَلَا فَمِهِ، فَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَكَلَ مَا لَا دَسَمَ فِيهِ يَمْسَحُ كَفَّهُ بِبَاطِنِ قَدَمِهِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ قَبْلَ الْأَكْلِ لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ. وَقَوْلُنَا غَمَرٌ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْمِيمِ احْتِرَازٌ عَنْ مَضْمُومِ الْغَيْنِ سَاكِنِ الْمِيمِ فَهُوَ الرَّجُلُ الْجَاهِلُ، وَعَنْ مَكْسُورِ الْغَيْنِ فَهُوَ الْحِقْدُ، وَعَنْ مَفْتُوحِ الْغَيْنِ سَاكِنِ الْمِيمِ فَهُوَ السِّتْرُ نَحْوُ غَمَرَ الْمَاءَ وَالْأَرْضَ غَمْرًا سَتَرَهَا.

(وَ) مِنْ الْآدَابِ اللَّاحِقَةِ لِلْأَكْلِ أَيْضًا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَك أَنْ (تُخَلِّلَ) أَيْ تُزِيلَ (مَا تَعَلَّقَ بِأَسْنَانِك) وَدَخَلَ بَيْنَهَا (مِنْ الطَّعَامِ) لِخَبَرِ: «نَقُّوا أَفْوَاهَكُمْ بِالْحَلَالِ فَإِنَّهَا مَجَالِسُ الْمَلَائِكَةِ» وَلَيْسَ شَيْءٌ أَضَرَّ عَلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ بَيْنَ الْأَسْنَانِ، وَيُتَخَلَّلُ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ الِاسْتِيَاكُ بِهِ.

(تَتِمَّةٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى بَلْعٍ مِنْ مَا يُخْرِجُ الْأَسْنَانُ عِنْدَ تَخْلِيلِهَا، وَالْحُكْمُ الْجَوَازُ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ فِي الصَّلَاةِ فِي السَّهْوِ، وَتَعَمُّدِ بَلْعِ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِعَدَمِ تَغَيُّرِهِ، وَأَمَّا لَوْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ فَلَا يَجُوزُ بَلْعُهُ لِأَنَّهُ صَارَ نَجِسًا، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي نَجَاسَتِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: نَجَاسَةُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ تَغَيُّرِهِ بَلْ لِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ مُخَالَطَتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ دَمِ اللِّثَاتِ، فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَدْخَلِ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَا يَجُوزُ بَلْعُهُ.

وَفِي التَّتَّائِيِّ أَيْضًا: وَإِذَا تَغَيَّرَ لَمْ يَجُزْ بَلْعُهُ.

(وَنَهَى الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْأَكْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>