للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَغْسِلُ يَدَيْهِ فِيهِ وَلَا يَأْكُلُ فِيهِ إلَّا مِثْلَ الشَّيْءِ الْخَفِيفِ كَالسَّوِيقِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَقُصُّ فِيهِ شَارِبَهُ وَلَا يُقَلِّمُ فِيهِ أَظْفَارَهُ وَإِنْ أَخَذَهُ فِي ثَوْبِهِ

وَلَا يَقْتُلُ فِيهِ قَمْلَةً وَلَا بُرْغُوثًا

وَأُرَخِّصُ فِي مَبِيتِ الْغُرَبَاءِ فِي مَسَاجِدِ الْبَادِيَةِ

وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي

ــ

[الفواكه الدواني]

أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُبْرَمٌ وَمُعَلَّقٌ، وَالْمُعَلَّقُ لَا اسْتِحَالَةَ فِي رَفْعِ مَا عَلِقَ مِنْهُ عَلَى الدُّعَاءِ وَلَا فِي نُزُولِ مَا عَلِقَ نُزُولُهُ عَلَى دُعَاءٍ، وَأَمَّا الْمُبْرَمُ فَالدُّعَاءُ يَرْفَعُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهُ، لَكِنْ رُبَّمَا أَثَابَ اللَّهُ الْعَبْدَ عَلَى دُعَائِهِ أَوْ خَفَّفَ عَنْهُ مَا نَزَلَ بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالدُّعَاءُ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ وَالتَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ وَيُحِبُّ الدُّعَاءَ وَيَغْضَبُ لِتَرْكِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِجَابَةِ دُعَاءِ الْكَافِرِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الِاسْتِجَابَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ وَنَسَبَهُ لِلْجُمْهُورِ مُسْتَدِلًّا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: ١٤] . وَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ مِنْ بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ يَقْتَضِي عَدَمَ قُصُورِ الِاسْتِجَابَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَعَلَى مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ يَخُصُّ بِالْمَظْلُومِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ شُرُوطًا فِي الدَّاعِي وَهِيَ: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ إلَّا اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَأَنْ يَدْعُوَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِاسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ مَلَالَةٌ مِنْ الدُّعَاءِ بِحَيْثُ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ كَمْ دَعَوْت وَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ السَّكِينَةِ، وَشُرُوطًا فِي الْمَدْعُوِّ بِهِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ الْمُمْكِنَةِ، فَلَا يَدْعُو بِمُسْتَحِيلٍ وَلَا بِمُحَرَّمٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُصَدَّرًا بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَكُونَ فِي أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ كَوَقْتِ السَّحَرِ أَوْ وَقْتِ النِّدَاءِ أَوْ عِنْدَ الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ أَوْ زَمَنِ السُّجُودِ أَوْ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ، وَأَنْ يَكُونَ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِ مَلْحُونٍ لِلْقَادِرِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاخْتُلِفَ فِي بَسْطِ الْيَدِ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الذُّلِّ وَالسَّكِينَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ عَقِبَهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسَائِلَ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا فِي مَبَاحِثِ الْأَحْكَامِ: (وَيُكْرَهُ) عَلَى وَجْهِ التَّنْزِيهِ (الْعَمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ) حَيْثُ لَا يَمْنَعُ مُصَلِّيًا وَلَا يُقَذِّرُهُ (مِنْ خِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا) كَالنَّسْخِ لِلْكَاتِبِ، وَأَمَّا مَا يُقَذِّرهُ أَوْ يُضَيَّقُ عَلَى مُصَلٍّ فَيَحْرُمُ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ وُضِعَتْ لِلْعِبَادَةِ، وَأُجِيزَتْ الْقِرَاءَةُ وَالذِّكْرُ وَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ تَبَعًا لِلصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يُشَوِّشُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى مُصَلٍّ، وَإِلَّا مُنِعَ كَمَا يُمْنَعُ كُلُّ مَا يُقَذِّرُ مِنْ نَحْوِ حِجَامَةٍ أَوْ فِصَادَةٍ أَوْ إصْلَاحِ النِّعَالَاتِ الْعَتِيقَةِ، وَمِنْ الْمَكْرُوهِ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ بِالْعِلْمِ زِيَادَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَكُرِهَ أَنْ يُبْصَقَ بِأَرْضِهِ وَتَعْلِيمُ صَبِيٍّ وَبَيْعٌ وَشِرَاءٌ وَسَلُّ سَيْفٍ وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ وَهُتُفٌ بِمَيِّتٍ وَرَفْعُ صَوْتٍ كَرَفْعِهِ بِعِلْمٍ وَوَقِيدُ نَارٍ وَدُخُولٌ كَخَيْلٍ لِنَقْلٍ وَفُرُشٌ أَوْ مُتَّكَأٌ، وَمِنْ الْمَكْرُوهِ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ الِاسْتِيَاكُ وَالْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ، وَأَمَّا غَرْسُ الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ فِيهِ فَيَحْرُمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ خَلِيلٍ، كَمَا يَحْرُمُ حَفْرُهُ وَالدَّفْنُ فِيهِ، وَمَا غُرِسَ فِيهِ مِنْ الْأَشْجَارِ يُقْطَعُ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَهِيَ حَلَالٌ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ لِأَنَّ سَبِيلَ ذَلِكَ كَالْفَيْءِ. (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَغْسِلَ يَدَيْهِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِنَا لَا يَجُوزُ الْكَرَاهَةُ إنْ كَانَتَا طَاهِرَتَيْنِ وَالْحُرْمَةُ إنْ كَانَتَا نَجِسَتَيْنِ أَوْ بِهِمَا مَا يُقَذِّرُ وَلَوْ طَاهِرًا، وَاخْتُلِفَ فِي الْوُضُوءِ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْجَوَازُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْكَرَاهَةُ لِسَحْنُونٍ كَمَجِّ الرِّيقِ فِيهِ وَرِحَابُ الْمَسْجِدِ كَالْمَسْجِدِ. (وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يُكْرَهُ أَنْ (يَأْكُلَ فِيهِ) نَحْوَ بِطِّيخٍ أَوْ فُولٍ مِمَّا يَعْفِشُهُ وَلَا يُقَذِّرُهُ (إلَّا مِثْلَ الشَّيْءِ الْخَفِيفِ) الَّذِي لَا يَحْصُلُ مِنْهُ تَلْوِيثٌ (كَالسَّوِيقِ وَنَحْوِهِ) فَلَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ (وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يُكْرَهُ أَنْ (يَقُصَّ فِيهِ شَارِبَهُ) وَلَا يَحْلِقُ فِيهِ رَأْسَهُ (وَلَا يُقَلِّمُ فِيهِ ظُفْرَهُ) إنْ كَانَ مَا يُزِيلُهُ يُلْقِيهِ عَلَى أَرْضِهِ بَلْ (وَإِنْ أَخَذَهُ فِي ثَوْبِهِ) بِحَيْثُ لَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى أَرْضِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ سُقُوطُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِأَرْضِهِ، وَالْمَسَاجِدُ مُنَزَّهَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا يَعْفِشُهَا وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا.

(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَقْتُلَ فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدُ (قَمْلَةً وَلَا بُرْغُوثًا) الْمُرَادُ الْكَرَاهَةُ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَكْرُوهِ: وَقَتْلُ كَبُرْغُوثٍ بِمَسْجِدٍ، وَالْكَرَاهَةُ فِي الْقَمْلَةِ أَشَدُّ لِأَنَّهَا مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ قَتْلِ الْقَمْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ لَمْ يَطْرَحْ قِشْرَهَا فِيهِ وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّ لَهَا نَفْسًا سَائِلَةً فَمَيْتَتُهَا نَجِسَةٌ، كَمَا أَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ قَتْلِ الْبُرْغُوثِ بِهِ مَعَ طَرْحِ قِشْرِهِ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَكْثُرْ بِحَيْثُ يُقَذِّرُهُ لِأَنَّ تَقْذِيرَ الْمَسَاجِدِ حَرَامٌ وَلَوْ بِالطَّاهِرِ، وَلَا يُقَالُ: تَعْفِيشُ الْمَسَاجِدِ مَكْرُوهٌ، لِأَنَّا نَقُولُ: التَّقْذِيرُ أَشَدُّ مِنْ التَّعْفِيشِ.

(تَنْبِيهٌ) تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَتْلِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَسْجِدِ وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ طَرْحِهِ فِيهِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ طَرْحَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَسْجِدِ حَيًّا لَا حَرَجَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبُرْغُوثِ، وَأَمَّا الْقَمْلَةُ فَاخْتَارَ اللَّقَانِيُّ حُرْمَةَ طَرْحِهَا فِيهِ لِأَنَّهَا تُؤْذِي الْغَيْرَ، وَاخْتَارَ الْأُجْهُورِيُّ الْكَرَاهَةَ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى حُرْمَةِ طَرْحِ قِشْرِهَا فِيهِ لِحُرْمَةِ وَضْعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهَا وَقِشْرُهَا نَجِسٌ، وَأَمَّا طَرْحُهَا حَيَّةً خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَقَدْ نَصَّ خَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ: وَفِيهَا يَجُوزُ طَرْحُهَا خَارِجَهُ وَاسْتُشْكِلَ.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَرَاهَةِ الْعَمَلِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ عَدَمُ جَوَازِ الْبَيَاتِ بِهَا مُطْلَقًا قَالَ: (وَأَرْخَصَ) أَيْ سَهَّلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فِي مَبِيتِ الْغُرَبَاءِ فِي مَسَاجِدِ الْبَادِيَةِ) لِعَدَمِ وُجُودِ مَا يَبِيتُونَ فِيهِ مِنْ نَحْوِ فُنْدُقٍ أَوْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَسَاجِدِ الْحَاضِرَةِ فَلَا تَرْخِيصَ فِي الْبَيَاتِ بِهَا لِلْغُرَبَاءِ إلَّا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>