للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الرِّفْق بِالْمَمْلُوكِ]

بَابٌ فِي الرُّؤْيَا وَالتَّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ وَاللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَغَيْرِهَا وَالسَّبَقِ بِالْخَيْلِ وَالرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَمَنْ رَأَى مِنْكُمْ مَا يَكْرَهُ فِي مَنَامِهِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْت فِي مَنَامِي أَنْ يَضُرَّنِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ»

وَمَنْ تَثَاءَبَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ

وَمَنْ عَطَسَ فَلِيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَعَلَى مَنْ سَمِعَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ

ــ

[الفواكه الدواني]

[بَابٌ فِي الرُّؤْيَا وَالتَّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ وَغَيْرهَا]

(بَابٌ فِي الرُّؤْيَا) بِالْقَصْرِ أَيْ مَا يَرَاهُ الشَّخْصُ فِي مَنَامِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي حَقِيقَتِهَا، فَقِيلَ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْثِلَةٍ يُدْرِكُهَا الرَّائِي بِجُزْءٍ مِنْ الْقَلْبِ لَمْ تُصِبْهُ آفَةُ النَّوْمِ، وَقِيلَ: إدْرَاكٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ يَقُومُ بِجُزْءٍ مِنْ الْقَلْبِ لَمْ يَقُمْ بِهِ النَّوْمُ، وَقِيلَ: فِكْرٌ يَقُومُ بِجُزْءٍ مِنْ الْقَلْبِ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ نَوْمٌ، وَفِي بَيَانِ الْقَوْلِ الَّذِي يَنْبَغِي لِلرَّائِي أَنْ يَقُولَهُ وَبَيَانِ تَفْسِيرِهَا.

(وَ) فِي أَحْكَامِ (التَّثَاؤُبِ) بِمُثَنَّاةٍ وَمُثَلَّثَةٍ (وَ) فِي أَحْكَامِ (الْعُطَاسِ، وَ) فِي حُكْمِ (اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَغَيْرِهَا) مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ كَالشِّطْرَنْجِ (وَ) فِي أَحْكَامِ (السَّبْقِ بِالْخَيْلِ) وَالْإِبِلِ وَبَيْنَهُمَا.

(وَ) فِي حُكْمِ (الرَّمْيِ) بِالسَّهْمِ (وَ) فِي بَيَانِ (غَيْرِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ كَبَيَانِ حُكْمِ قَتْلِ الْقَمْلِ بِالنَّارِ، وَكَبَيَانِ أَفْضَلِ الْعُلُومِ

وَشَرَعَ فِي بَيَانِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ فَقَالَ: (قَالَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ الصَّالِحَةُ (مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الشَّخْصُ الشَّامِلُ لِلْمَرْأَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ» .

كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّالِحِ الْمُمْتَثِلُ لِلْمَأْمُورَاتِ الْمُجْتَنِبُ لِلْمَنْهِيَّاتِ. (جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ) وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا» وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُصَدِّقُ بِهِ وَلَا نَخُوضُ فِي طَلَبِ مَعْنَاهُ، وَمِنْهُمْ مِنْ خَاضَ كَالْمَازِرِيِّ وَقَالَ: وَجْهُ كَوْنِ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ يُوحَى إلَيْهِ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً عَشَرَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ يَرَى فِي الْمَنَامِ مَا يُلْقِيهِ إلَيْهِ الْمَلَكُ وَذَلِكَ نِصْفُ سَنَةٍ وَنِصْفُ سَنَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ، وَإِلَّا سُلِّمَ تَفْوِيضُ عِلْمِ سِرِّ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الْمَذْكُورَ لَا يَأْتِي عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا، وَأَمَّا الرُّؤْيَا غَيْرُ الْحَسَنَةِ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَسَنَةَ مِنْ اللَّهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ» وَلِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا حَقٌّ وَبُشْرَى مِنْ اللَّهِ وَهِيَ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا» وَأَصْدَقُهَا مَا يَرَاهُ الْإِنْسَانُ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَأَقْوَى مَا تَكُونُ فِي الرَّبِيعِ وَالصَّيْفِ، وَأَضْعَفُ مَا تَكُونُ فِي الشِّتَاءِ وَالْخَرِيفِ، وَأَصْدَقُ مَا تَكُونُ عِنْدَ الِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّوْمِ، وَرُؤْيَا اللَّيْلِ أَصْدَقُ مِنْ رُؤْيَا النَّهَارِ وَأَقْرَبُهَا انْتِظَارًا إذَا كَانَتْ آخِرَ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفَ النَّهَارِ، وَغَيْرُ الصَّالِحَةِ الْحَلْمُ بِفَتْحِ الْحَاءِ مِنْ تَهْوِيلِ الشَّيْطَانِ وَتَخْلِيطِهِ، وَأَمَّا الْحُلُمِ بِضَمِّ الْحَاءِ فَهُوَ بُلُوغُ الصَّبِيِّ. (وَمَنْ رَأَى مِنْكُمْ) مَعَاشِرَ الْمُخَاطَبِينَ (مَا يَكْرَهُ فِي مَنَامِهِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَتْفُلْ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَضَرَبَ أَيْ يَبْصُقُ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ (ثَلَاثًا عَلَى يَسَارَةِ وَلْيَقُلْ) لِلتَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّهَا: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْت فِي مَنَامِي أَنْ يَضُرَّنِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ) فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، هَذَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ التَّحَوُّلَ عَنْ الْجَنْبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ: «وَيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا» فَيَنْبَغِي لِلرَّائِي الِاحْتِيَاطُ وَيَجْمَعُ مَا تَفَرَّقَ فِي الرِّوَايَاتِ، وَحِكْمَةُ التَّفْلِ عَنْ الْيَسَارِ أَنَّهُ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، وَحِكْمَةُ التَّحَوُّلِ مِنْ الْجَنْبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ التَّفَاؤُلُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَدِّلُ الْمَكْرُوهَ بِالْحَسَنِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى مَنَامِهِ بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ يَعُودُ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>