للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَبِالسِّهَامِ بِالرَّمْيِ

[حُكْم المسابقة]

وَإِنْ أَخْرَجَا شَيْئًا جَعَلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا يَأْخُذُ ذَلِكَ الْمُحَلِّلُ إنْ سَبَقَ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ مَالِكٌ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ سَبْقًا فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ أَخَذَهُ وَإِنْ سَبَقَ هُوَ كَانَ لِلَّذِي يَلِيهِ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرَ جَاعِلٍ السَّبْقَ وَآخَرُ فَسَبَقَ جَاعِلَ السَّبْقِ أَكَلَهُ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ

وَجَاءَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْحَيَّاتِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ تُؤْذَنَ ثَلَاثًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا فَهُوَ حَسَنٌ

وَلَا تُؤْذَنُ فِي الصَّحْرَاءِ وَيُقْتَلُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا

وَيُكْرَهُ

ــ

[الفواكه الدواني]

السَّلَامِ عَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِالْمَلَاهِي ذَكَرَ حُكْمَ الْجُلُوسِ عِنْدَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيُكْرَهُ) لِلْمُكَلَّفِ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: عَلَى جِهَةِ التَّحْرِيمِ (الْجُلُوسُ إلَى) أَيْ عِنْدَ (مَنْ يَلْعَبُ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْمَلَاهِي مَخَافَةَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِمْ لِأَنَّ جَلِيسَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ.

(وَ) كَذَا يُكْرَهُ (النَّظَرُ إلَيْهِمْ) أَيْ مَنْ يَلْعَبُ بِالْمَلَاهِي، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي بِهَا وَجَمَعَهُ فِي إلَيْهِمْ الْعَائِدِ عَلَى مَنْ مُرَاعَاةً لِلَفْظِهَا فِي الْأَوَّلِ وَلِمَعْنَاهَا فِي الثَّانِي نَحْوَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مُرَاعَاةَ اللَّفْظِ، مَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَى مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ قُبْحٌ نَحْوَ: مَنْ هِيَ حَمْرَاءُ أُمِّك، فَلَا يُقَالُ: مَنْ هُوَ حَمْرَاءُ أُمِّك، فَيَتَعَيَّنُ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى نَحْوَ: مَنْ هِيَ حَمْرَاءُ أُمِّك، وَمَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ لَبْسٌ نَحْوُ: أَعْطِ مَنْ سَأَلَك مَعَ كَوْنِ الْمُعْطِي مُؤَنَّثًا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ الْمُسَابَقَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِالسَّبْقِ بِالْخَيْلِ) فِيمَا بَيْنَهَا.

(وَ) كَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ (بِالسِّهَامِ بِالرَّمْيِ) فَلَا بَأْسَ فِي كَلَامِهِ لِلْإِبَاحَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إبَاحَتِهَا مَا فِي الْحَدِيثِ: «مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ» .

وَقَالَ أَيْضًا: «لَا سَبْقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسَابَقَةَ إنْ وَقَعَتْ بِغَيْرِ جُعْلٍ تَجُوزُ بِالْمَذْكُورَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ نَحْوِ الْحَمِيرِ وَالطَّيْرِ وَالسَّفَرِ وَالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ إذَا وَقَعَتْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ فِيمَا عَدَاهُ مَجَّانًا، وَأَمَّا بِالْجُعْلِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَبَيْنَهُمَا وَالسَّهْمِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ مِمَّا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَتَعْيِينُ الْمَبْدَأِ وَالْغَايَةِ وَالْمَرْكُوبِ، وَتَعْيِينُ فَرَسِ كُلٍّ وَجَهْلُ كُلِّ سَبْقٍ فَرَسَهُ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَحَدُهُمَا بِسَبْقِ فَرَسِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَرَمَّةُ الرَّكْبِ عَلَيْهِمَا مِنْ كَوْنِهِ جَسِيمًا أَوْ لَطِيفًا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُمَا، وَمِثْلُ تَعْيِينِ الْمَبْدَأِ وَالْغَايَةِ بِالْفِعْلِ جَرَى الْعُرْفُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ مَا ذُكِرَ فِيهَا مَعَ الْجُعْلِ لِأَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ كَالْإِجَارَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّمْيِ تَعْيِينُ عَدَدِ الْإِصَابَةِ وَنَوْعِهَا مِنْ خَرْقٍ أَوْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ السَّهْمِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ وَلَا تَعْيِينُ الْوَتْرِ وَلَا مَوْضِعِ الْإِصَابَةِ.

[صُوَرِ الْمُسَابَقَةِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ صُوَرِ الْمُسَابَقَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: لِأَنَّ الْجُعْلَ إمَّا مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَإِمَّا مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِمَا تَبَرَّعَ بِهِ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَخْرَجَا) أَيْ الْمُتَسَابِقَانِ (شَيْئًا) مِنْ عِنْدِهِمَا سَمَّيَاهُ سَبَقًا بِالْفَتْحِ أَيْ جُعْلًا وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ جَازَ عَقْدُهَا إنْ (جَعَلَا بَيْنَهُمَا) ثَالِثًا مُسَابِقًا مِثْلَهُمَا (مُحَلِّلًا) لِعَقْدِهِمَا (يَأْخُذُ ذَلِكَ الْمُحَلِّلُ) هَذَا الشَّيْءَ الَّذِي أَخْرَجَاهُ (إنْ سَبَقَ هُوَ) أَيْ الْمُحَلِّلُ (وَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمُحَلِّلِ وَهُوَ أَحَدُ الْمُخْرِجِينَ لِلْجُعْلِ (لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ) بِسَبَبِ سَبْقِ غَيْرِهِ لَهُ (شَيْءٌ) وَيَأْخُذُ السَّابِقُ جَمِيعَ الْجُعْلِ (هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ) وَبَعْضُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَشَارَ إلَى مُقَابِلِهِ بِقَوْلِهِ: (وَقَالَ مَالِكٌ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (إنَّمَا يَجُوزُ) مِنْ صُوَرِ الْمُسَابَقَةِ (أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ سَبَقًا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ جُعْلًا (فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مُخْرِجِهِ (أَخَذَهُ إنْ سَبَقَ هُوَ) أَيْ مُخْرِجُ الْجُعْلِ (كَانَ لِلَّذِي يَلِيهِ مِنْ الْمُتَسَابِقِينَ) وَاقْتَصَرَ خَلِيلٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ حَيْثُ قَالَ: لَا إنْ أَخْرَجَاهُ لِيَأْخُذَ السَّابِقُ وَلَوْ بِمُحَلِّلٍ يُمْكِنُ سَبْقُهُ، وَإِنَّمَا مُنِعَتْ الْمُسَابَقَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِعَوْدِ الْجُعْلِ لِمُخْرِجِهِ عَلَى تَقْدِيرِ سَبْقِهِ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ إذَا كَانَ يُمْكِنُ سَبْقُ الثَّالِثِ وَإِلَّا اُتُّفِقَ عَلَى مَنْعِهَا وَسُمِّيَ هَذَا الثَّالِثُ الَّذِي لَا يُخْرِجُ الْجُعْلَ مُحَلِّلًا وَإِنْ حَرُمَتْ تِلْكَ الْمُسَابَقَةُ بِحَسَبِ زَعْمَيْهِمَا، هَذَا حُكْمُ مَا إذَا كَانَ الْمُتَسَابِقُونَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ جَاعِلِ السَّبَقِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْجُعْلِ

(وَآخَرُ) وَهُوَ السَّابِقُ لَهُ (فَسَبَقَ جَاعِلُ السَّبَقِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ (أَكَلَهُ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ) الْفِعْلَ بِمَعْنَى الْمُسَابَقَةِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ، وَبَقِيَ صُورَةٌ ثَالِثَةٌ أَنْ يُخْرِجَهُ مُتَبَرِّعٌ أَيْ غَيْرُ الْمُتَسَابِقِينَ مِنْ وَالٍ أَوْ غَيْرِهِ لِيَأْخُذَهُ كُلُّ مَنْ سَبَقَ مِنْ الْمُتَسَابِقِينَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَائِزَ أَنْ يُخْرِجَ الْجُعْلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَبَقَ رَفِيقُهُ يَأْخُذُهُ، وَإِنْ سَبَقَ مُخْرِجُهُ يَكُونُ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُتَسَابِقِينَ عِنْدَهُمْ إذَا كَانَتْ الْمُسَابَقَةُ وَقَعَتْ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَطْ.

قَالَ خَلِيلٌ فِي بَيَانِ الْجَزَائِرِ: وَأَخْرَجَهُ مُتَبَرِّعٌ أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ أَخَذَهُ وَإِنْ سَبَقَ هُوَ فَلِمَنْ حَضَرَ.

(تَنْبِيهٌ) وَقَعَ التَّوَقُّفُ مِنْ الشُّيُوخِ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَقٌ عِنْدَ إخْرَاجِ الْمُتَبَرِّعِ أَوْ لَوْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ عِنْدَ سَبْقِ الْمُخْرِجِ، وَاسْتَظْهَرَ الْحَطَّابُ أَنَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْمُتَبَرِّعُ يَكُونُ لَهُمَا سَوِيَّةً عِنْدَ عَدَمِ السَّبْقِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَقُولُ: إنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِظْهَارُ إذَا كَانَ التَّبَرُّعُ لَا بِقَيْدِ السَّبْقِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ عِنْدَ سَبْقِ الْمُخْرِجِ أَنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ وَحُرِّرَ الْحُكْمُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا أَشَارَ لَهُ فِي التَّرْجَمَةِ بِقَوْلِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَجَاءَ) أَيْ وَرَدَ عَنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْحَيَّاتِ بِالْمَدِينَةِ) أَيْ بُيُوتِ مَدِينَةِ الرَّسُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>