للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ. انْتَهَى.

(قُلْت) هَذَا يُخَالِفُ مَا سَلَفَ عَنْهُ قَرِيبًا وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ مِنْ أَشْهَرِ أَشْرِبَةِ الْعَرَبِ وَاسْمَهَا أَشْهَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَتْ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَأَشْعَارُهُمْ فِيهَا لَا تُحْصَى فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ مَا كَانَ تَعْمِيمُ الِاسْمِ بِلَفْظِ الْخَمْرِ لِكُلِّ مُسْكِرٍ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ فَعَرَّفَهُمْ بِهِ الشَّرْعُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بَعْضَ الْمُسْكِرَاتِ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخَمْرِ كَالْأَمْزَارِ يُضِيفُونَهَا إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مِنْ ذُرَةٍ وَشَعِيرٍ وَنَحْوِهِمَا بَلْ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْخَمْرِ فَجَاءَ الشَّرْعُ بِتَعْمِيمِ الِاسْمِ لِكُلِّ مُسْكِرٍ. فَتَحَصَّلَ مِمَّا ذُكِرَ جَمِيعًا أَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ الْمُشْتَدِّ الَّذِي يُقْذَفُ بِالزَّبَدِ وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا يُسْكِرُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَوْ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ أَوْ مَجَازٌ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَحْرِيمِ مَا أَسْكَرَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ أَوْ غَيْرِهِ إمَّا بِنَقْلِ اللَّفْظِ إلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ بِغَيْرِهِ.

وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ أَطْلَقَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْخَمْرَ عَلَى كُلِّ مَا أَسْكَرَ، وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ بِقَوْلِهِ وَالْعُمُومُ أَصَحُّ. وَأَمَّا الدَّعَاوَى الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَلَى اللُّغَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَشَارِحُ الْكَنْزِ فَمَا أَظُنُّهَا إلَّا بَعْدَ تَقَرُّرِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ تَكَلَّمَ كُلٌّ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ وَنَزَلَ فِي قَلْبِهِ مِنْ مَذْهَبِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ لِأَهْلِ اللُّغَةِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ (فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ، وَادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَنُوزِعَ فِي دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنَصَّ عَلَى حَدٍّ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا ثَبَتَ عَنْهُ الضَّرْبُ الْمُطْلَقُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ الْجَلْدُ بِالْجَرِيدِ وَهُوَ سَعَفُ النَّخْلِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَتَعَيَّنُ الْجَلْدُ بِالْجَرِيدَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَقْرَبُهَا جَوَازُ الْجَلْدِ بِالْعُودِ غَيْرِ الْجَرِيدِ وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الضَّرْبِ بِالْيَدَيْنِ وَالنِّعَالِ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَعُوا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ بِالسَّوْطِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ تَوَسَّطَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَيَّنَ السَّوْطَ لِلْمُتَمَرِّدِينَ وَأَطْرَافَ الثِّيَابِ وَالنِّعَالَ لِلضُّعَفَاءِ وَمَنْ عَدَاهُمْ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِمْ وَقَدْ عَيَّنَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ (نَحْوَ أَرْبَعِينَ) مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَحْمَدُ بِلَفْظِ «فَأَمَرَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ رَجُلًا فَجَلَدَهُ كُلُّ وَاحِدٍ جَلْدَتَيْنِ بِالْجَرِيدَةِ وَالنِّعَالِ» قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا يَجْمَعُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى تَشَعُّبِهِ، وَأَنَّ جُمْلَةَ الضَّرَبَاتِ كَانَتْ أَرْبَعِينَ لَا أَنَّهُ جَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ أَرْبَعِينَ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ " فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ إلَى آخِرِهِ " سَبَبُ اسْتِشَارَتِهِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ " أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ انْهَمَكُوا فِي الْخَمْرِ وَتَحَاقَرُوا الْعُقُوبَةَ قَالَ وَعِنْدَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَسَأَلَهُمْ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَضْرِبَ ثَمَانِينَ " وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ " أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>