للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ نَفَّسَ) لَفْظُ مُسْلِمٍ «مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» هَذَا لَيْسَ فِي مُسْلِمٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ غَيْرُهُ «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

الْحَدِيثُ فِيهِ مَسَائِلُ (الْأُولَى) فَضِيلَةُ مَنْ فَرَّجَ عَنْ الْمُسْلِمِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا وَتَفْرِيجُهَا إمَّا بِإِعْطَائِهِ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَتْ كُرْبَتُهُ مِنْ حَاجَةٍ أَوْ بَذْلِ جَاهِهِ فِي طَلَبِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ قَرْضِهِ، وَإِنْ كَانَتْ كُرْبَتُهُ مِنْ ظُلْمِ ظَالِمٍ لَهُ فَرَّجَهَا بِالسَّعْيِ فِي رَفْعِهَا عَنْهُ أَوْ تَخْفِيفِهَا وَإِنْ كَانَتْ كُرْبَةَ مَرَضٍ أَصَابَهُ أَعَانَهُ عَلَى الدَّوَاءِ إنْ كَانَ لَدَيْهِ أَوْ طَبِيبٍ يَنْفَعُهُ، وَبِالْجُمْلَةِ تَفْرِيجُ الْكُرَبِ بَابٌ وَاسِعٌ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ إزَالَةَ كُلِّ مَا يَنْزِلُ بِالْعَبْدِ أَوْ تَخْفِيفَهُ.

(الثَّانِيَةُ) التَّيْسِيرُ عَلَى الْمُعْسِرِ هُوَ أَيْضًا مِنْ تَفْرِيجِ الْكُرَبِ وَإِنَّمَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَهُوَ إنْظَارُهُ لِغَرِيمِهِ فِي الدَّيْنِ أَوْ إبْرَاؤُهُ لَهُ مِنْهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُيَسِّرُ لَهُ عَلَيْهِ أُمُورَهُ وَيُسَهِّلُهَا لَهُ لِتَسْهِيلِهِ لِأَخِيهِ فِيمَا عِنْدَهُ لَهُ. وَالتَّيْسِيرُ لِأُمُورِ الْآخِرَةِ بِأَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْهِ الْمَشَاقَّ فِيهَا وَيُرَجِّحَ وَزْنَ الْحَسَنَاتِ وَيُلْقِيَ فِي قُلُوبِ مَنْ لَهُمْ عِنْدَهُ حَقٌّ يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ الْمُسَامَحَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ عَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ عُسِّرَ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى مَنْ عَسَّرَ عَلَى مُوسِرٍ؛ لِأَنَّ مَطْلَهُ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ.

(وَالثَّالِثَةُ) مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا اطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي إظْهَارُهُ مِنْ الزَّلَّاتِ وَالْعَثَرَاتِ فَإِنَّهُ مَأْجُورٌ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ سَتْرِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَيَسْتُرُهُ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ لَا يَأْتِيَ زَلَّةً يَكْرَهُ اطِّلَاعَ غَيْرِهِ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَتَاهَا لَمْ يُطْلِعْ اللَّهُ عَلَيْهَا أَحَدًا، وَسَتَرَهُ فِي الْآخِرَةِ بِالْمَغْفِرَةِ لِذُنُوبِهِ وَعَدَمِ إظْهَارِ قَبَائِحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ «حَثَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّتْرِ لِلْمُسْلِمِ فَقَالَ: فِي حَقِّ مَاعِزٍ هَلَّا سَتَرْت عَلَيْهِ بِرِدَائِك يَا هُزَالُ» وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: وَهَذَا السَّتْرُ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ فَلَوْ رَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ كَانَ جَائِزًا لَهُ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ. قُلْت: وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَلُمْ هُزَالًا وَلَا أَبَانَ لَهُ أَنَّهُ آثِمٌ بَلْ حَرَّضَهُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ سَتْرُهُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَابَ وَأَقْلَعَ حَرُمَ عَلَيْهِ ذِكْرُ مَا وَقَعَ مِنْهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ سَتْرُهُ وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ بِالْفَسَادِ وَالتَّمَادِي فِي الطُّغْيَانِ، وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ السَّتْرُ عَلَيْهِ بَلْ يُرْفَعُ أَمْرُهُ إلَى مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَةً، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ عَلَيْهِ يُغْرِيهِ عَلَى الْفَسَادِ وَيُجَرِّئُهُ عَلَى أَذِيَّةِ الْعِبَادِ وَيُجَرِّئُ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعِنَادِ وَهَذَا بَعْدَ انْقِضَاءِ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَأَمَّا إذَا رَآهُ، وَهُوَ فِيهَا فَالْوَاجِبُ الْمُبَادَرَةُ لِإِنْكَارِهَا وَالْمَنْعُ مِنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ مَعَ الْإِمْكَانِ وَأَمَّا إذَا رَآهُ يَسْرِقُ مَالَ زَيْدٍ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْبَارُ زَيْدٍ بِذَلِكَ أَوْ سَتْرُ السَّارِقِ؟ الظَّاهِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>