للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ: الرِّيَاءُ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ

(وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) هُوَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَدَّثَ عَنْهُ أَحَادِيثَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا تُعْرَفُ لَهُ صُحْبَةٌ وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي التَّابِعِينَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الصَّوَابُ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنْ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ» كَأَنَّهُ قِيلَ مَا هُوَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الرِّيَاءُ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ) الرِّيَاءُ مَصْدَرُ رَاءَى فَاعِلٌ وَمَصْدَرُهُ يَأْتِي عَلَى بِنَاءِ مُفَاعَلَةٍ وَفِعَالٍ، وَهُوَ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا بِقَلْبِهَا يَاءً وَحَقِيقَتُهُ لُغَةً أَنْ يَرَى غَيْرَهُ خِلَافَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَشَرْعًا أَنْ يَفْعَلَ الطَّاعَةَ وَيَتْرُكَ الْمَعْصِيَةَ مَعَ مُلَاحَظَةِ غَيْرِ اللَّهِ أَوْ يُخْبِرَ بِهَا أَوْ يُحِبَّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا لِمَقْصِدٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَقَدْ ذَمَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَجَعَلَهُ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِ: {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا} وَقَالَ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، وَقَالَ {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} - قَوْلُهُ - {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} وَوَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الطَّيِّبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَةِ عِقَابِ الْمُرَائِي، فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَابِدٌ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ وَأَنَا عَنْهُ بَرِيءٌ وَأَنَا أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ عَنْ الشِّرْكِ» وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاءَ يَكُونُ بِالْبَدَنِ، وَذَلِكَ بِإِظْهَارِ النُّحُولِ وَالِاصْفِرَارِ لِيُوهِمَ بِذَلِكَ شِدَّةَ الِاجْتِهَادِ، وَالْحُزْنِ عَلَى أَمْرِ الدِّينِ وَخَوْفِ الْآخِرَةِ، وَلِيَدُلَّ بِالنُّحُولِ عَلَى قِلَّةِ الْأَكْلِ، وَبِتَشَعُّثِ الشَّعْرِ وَدَرَنِ الثَّوْبِ يُوهِمُ أَنَّ هَمَّهُ بِالدِّينِ أَلْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنْوَاعُ هَذَا وَاسِعَةٌ، وَهُوَ مَعْنَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ، وَيَكُونُ فِي الْقَوْلِ بِالْوَعْظِ فِي الْمَوَاقِفِ وَيَذْكُرُ حِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ لِيَدُلَّ عَلَى عِنَايَتِهِ بِأَخْبَارِ السَّلَفِ وَتَبَحُّرِهِ فِي الْعِلْمِ وَيَتَأَسَّفُ عَلَى مُقَارَفَةِ النَّاسِ لِلْمَعَاصِي وَالتَّأَوُّهِ مِنْ ذَلِكَ.

وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَالرِّيَاءُ بِالْقَوْلِ لَا تَنْحَصِرُ أَبْوَابُهُ، وَقَدْ تَكُونُ الْمُرَاءَاةُ بِالْأَصْحَابِ، وَالْأَتْبَاعِ وَالتَّلَامِيذِ فَيُقَالُ: فُلَانٌ مَتْبُوعٌ قُدْوَةٌ، وَالرِّيَاءُ بَابٌ وَاسِعٌ إذَا عَرَفْت ذَلِكَ، فَبَعْضُ أَبْوَابِ الرِّيَاءِ أَعْظَمُ مِنْ بَعْضِ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ أَرْكَانِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْمُرَاءَى بِهِ، وَالْمُرَاءَى لِأَجَلِهِ، وَنَفْسُ قَصْدِ الرِّيَاءِ، فَقَصْدُ الرِّيَاءِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا عَنْ قَصْدِ الثَّوَابِ أَوْ مَصْحُوبًا بِإِرَادَتِهِ، وَالْمَصْحُوبُ بِإِرَادَةِ الثَّوَابِ لَا يَخْلُو عَنْ أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ الثَّوَابِ أَرْجَحَ أَوْ أَضْعَفَ أَوْ مُسَاوِيَةً فَكَانَتْ أَرْبَعَ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ لَا يَكُونَ قَصَدَ الثَّوَابَ بَلْ فَعَلَ الصَّلَاةَ مَثَلًا لِيَرَاهُ غَيْرُهُ، وَإِذَا انْفَرَدَ لَا يَفْعَلُهَا، وَأَخْرَجَ الصَّدَقَةَ لِئَلَّا يُقَالَ إنَّهُ بَخِيلٌ، وَهَذَا أَغْلَظُ أَنْوَاعِ الرِّيَاءِ وَأَخْبَثُهَا، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>