للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْغِيبَةِ. وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ مُوَافِقٌ لِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مُسْنَدًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا كَرِهْت أَنْ تُوَاجِهَ بِهِ أَخَاك فَهُوَ غِيبَةٌ» فَيَكُونُ هَذَا إنْ ثَبَتَ مُخَصِّصًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَفَاسِيرُ الْعُلَمَاءِ دَالَّةٌ عَلَى هَذَا فَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: ذِكْرُ الْعَيْبِ يُظْهِرُ الْغَيْبَ، وَآخَرُ بِقَوْلِهِ هِيَ أَنْ تَذْكُرَ الْإِنْسَانَ مِنْ خَلْفِهِ بِسُوءٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ. نَعَمْ ذِكْرُ الْعَيْبِ فِي الْوَجْهِ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غِيبَةً. وَفِي قَوْلِهِ: (أَخَاك) أَيْ أَخَ الدِّينِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ تَجُوزُ غِيبَتُهُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ لَيْسَ بِأَخٍ كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَمَنْ قَدْ أَخْرَجَتْهُ بِدْعَتُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا غِيبَةَ لَهُ.

وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْأَخِ جَذْبٌ لِلْمُغْتَابِ عَنْ غِيبَتِهِ لِمَنْ يَغْتَابُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَخَاهُ فَالْأَوْلَى الْحُنُوُّ عَلَيْهِ وَطَيُّ مُسَاوِيهِ وَالتَّأَوُّلُ لِمَعَايِبِهِ لَا نَشْرُهَا بِذِكْرِهَا. وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِمَا يَكْرَهُ) مَا يُشْعِرُ بِهِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَكْرَهُ مَا يُعَابُ بِهِ كَأَهْلِ الْخَلَاعَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غِيبَةً، وَتَحْرِيمُ الْغِيبَةِ مَعْلُومٌ مِنْ الشَّرْعِ وَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مِنْ الصَّغَائِرِ أَوْ الْكَبَائِرِ فَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ. وَاسْتَدَلَّ لِكِبَرِهَا بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّهَا مِنْ الصَّغَائِرِ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ أَنَّهَا مِنْ الصَّغَائِرِ غَيْرَهُمَا. وَذَهَبَ الْمَهْدِيُّ إلَى أَنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يَقْطَعْ بِكِبَرِهِ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعُدُّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ كَبِيرَةً وَلَا يَعُدُّ الْغِيبَةَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَنْزَلَهَا مَنْزِلَةَ أَكْلِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ أَيْ مَيِّتًا

وَالْأَحَادِيثُ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ الْغِيبَةِ وَاسِعَةٌ جِدًّا دَالَّةٌ عَلَى شِدَّةِ تَحْرِيمِهَا (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ الْغِيبَةِ أُمُورًا سِتَّةً (الْأَوَّلُ) التَّظَلُّمُ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْمَظْلُومُ: فُلَانٌ ظَلَمَنِي وَأَخَذَ مَالِي أَوْ أَنَّهُ ظَالِمٌ، وَلَكِنْ إذَا كَانَ ذِكْرُهُ لِذَلِكَ شِكَايَةً عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إزَالَتِهَا أَوْ تَخْفِيفِهَا، وَدَلِيلُهُ قَوْلُ هِنْدَ عِنْدَ شِكَايَتِهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَبِي سُفْيَانَ إنَّهُ رَجُلٌ شَحِيحٌ (الثَّانِي) الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِذَكَرِهِ لِمَنْ يَظُنُّ قُدْرَتَهُ عَلَى إزَالَتِهِ فَيَقُولُ: فُلَانٌ فَعَلَ كَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُجَاهِرًا بِالْمَعْصِيَةِ (الثَّالِثُ) الِاسْتِفْتَاءُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُفْتِي: فُلَانٌ ظَلَمَنِي بِكَذَا فَمَا طَرِيقِي إلَى الْخَلَاصِ عَنْهُ، وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْخَلَاصَ عَمَّا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِذِكْرِ مَا وَقَعَ مِنْهُ (الرَّابِعُ) التَّحْذِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الِاعْتِزَازِ كَجُرْحِ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ، وَمَنْ يَتَصَدَّرُ لِلتَّدْرِيسِ، وَالْإِفْتَاءِ مَعَ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ» وَذَلِكَ أَنَّهَا «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ تَسْتَأْذِنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>