للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ، لِظَاهِرِ الْأَمْرِ: " أَعْنِي قُولُوا " وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَدَلِيلُهُمْ الْحَدِيثُ مَعَ زِيَادَتِهِ الثَّابِتَةِ. وَيَقْتَضِي أَيْضًا وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْهَادِي، وَالْقَاسِمِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَلَا عُذْرَ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَدِلًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْآلِ، إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ وَاحِدٌ، وَدَعْوَى النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ مَنْدُوبَةٌ، غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ، بَلْ نَقُولُ: الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَتِمُّ وَيَكُونُ الْعَبْدُ مُمْتَثِلًا بِهَا، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّفْظُ النَّبَوِيُّ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْآلِ، لِأَنَّهُ قَالَ السَّائِلُ: " كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك " فَأَجَابَهُ بِالْكَيْفِيَّةِ، أَنَّهَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِالْآلِ فَمَا صَلَّى عَلَيْهِ بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا، فَلَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، فَلَا يَكُونُ مُصَلِّيًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ " كَمَا صَلَّيْت إلَى آخِرِهِ " يَجِبُ إذْ هُوَ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ بِإِيجَابِ بَعْضِهَا وَنَدْبِ بَعْضِهَا فَلَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْمَهْدِيِّ فِي الْبَحْرِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ سُنَّةٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَذَانِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، فَكَلَامٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ كَمَا قِيلَ: لَا قِيَاسَ مَعَ النَّصِّ لِأَنَّهُ لَا يُذْكَرُ الْآلُ فِي تَشَهُّدِ الْأَذَانِ لَا نَدْبًا وَلَا وُجُوبًا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَذَانِ دُعَاءٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ شَهَادَةٌ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَالْآلُ لَمْ يَأْتِ تَعَبُّدًا بِالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُمْ آلُهُ، وَمِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّ حَذْفَ لَفْظِ الْآلِ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي؛ وَكُنْت سَأَلْت عَنْهُ قَدِيمًا، فَأُجِبْت أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِلَا رِيبَ: كَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ رُوَاتُهَا، وَكَأَنَّهُمْ حَذَفُوهَا خَطَأً تَقِيَّةً لَمَّا كَانَ فِي الدَّوْلَةِ الْأُمَوِيَّةِ مَنْ يَكْرَهُ ذِكْرَهُمْ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مُتَابَعَةً مِنْ الْآخِرِ لِلْأَوَّلِ، فَلَا وَجْهَ لَهُ، وَبَسَطْت هَذَا الْجَوَابَ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بَسْطًا شَافِيًا.

وَأَمَّا مَنْ هُمْ الْآلُ؟ فَفِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ: الْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ؛ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ فَسَرَّهُمْ " زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ "، وَالصَّحَابِيُّ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَتَفْسِيرُهُ قَرِينَةٌ عَلَى تَعْيِينِ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ، وَقَدْ فَسَرَّهُمْ بِآلِ " عَلِيٍّ "، وَآلِ جَعْفَرٍ "، وَآلِ عَقِيلٍ "، وَآلِ الْعَبَّاسِ ".

فَإِنْ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: " إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا " أَيْ إذَا نَحْنُ دَعَوْنَا فِي دُعَائِنَا، فَلَا يَدُلُّ عَلَى إيجَابِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ. قُلْت: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: الْمُتَبَادَرُ فِي لِسَانِ الصَّحَابَةِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ صَلَاتُنَا الشَّرْعِيَّةُ لَا اللُّغَوِيَّةُ، وَالْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ إذَا تَرَدَّدَتْ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ؛ الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ وُجُوبُ الدُّعَاءِ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ كَمَا عَرَفْت مِنْ الْأَمْرِ بِهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الدُّعَاءِ وَاجِبَةٌ، لِمَا عَرَفْت مِنْ حَدِيثِ " فَضَالَةَ "، وَبِهَذَا يَتِمُّ إيجَابُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ الدُّعَاءِ الدَّالِ عَلَى وُجُوبِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>