للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٤ - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَلُعَابُهَا يَسِيلُ عَلَى كَتِفِي». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

الْجَمَاهِيرِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ. وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ. وَفِي " الْبُخَارِيِّ " عَنْهُ: لَا أَدْرِي أَنَهَى عَنْهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا كَانَتْ حَمُولَةَ النَّاسِ أَوْ حُرِّمَتْ؟

وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْقَوْلِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّهْيِ التَّحْرِيمُ، وَإِنْ جَهِلْنَا عِلَّتَهُ.

وَاسْتَدَلَّ " ابْنُ عَبَّاسٍ " بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الْآيَةَ. فَإِنَّهُ تَلَاهَا جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ تَحْرِيمِهَا، وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «إنَّهُ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَالِبُ بْنُ أَبْحَرَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَتْنَا سَنَةٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا سِمَانُ حُمُرٍ، وَإِنَّك حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ: أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِك فَإِنَّمَا حَرَّمْتهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ الْقَرْيَةِ» يُرِيدُ الَّتِي تَأْكُلُ الْجِلَّةَ وَهِيَ الْعَذِرَةُ

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْآيَةَ خَصَّصَتْ عُمُومَهَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَبِأَنَّ حَدِيثَ " أَبِي دَاوُد " مُضْطَرِبٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَإِنْ صَحَّ حَمْلُهُ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: [أَصَابَتْنَا سَنَةٌ] أَيْ شِدَّةٌ وَحَاجَةٌ.

وَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ لِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي بَابِ النَّجَاسَاتِ وَتَعْدَادُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ مَنْ لَازَمَهُ التَّنْجِيسُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ وَأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يُلَازِمُ النَّجَاسَةَ، فَإِنَّ الْحَشِيشَةَ مُحَرَّمَةٌ طَاهِرَةٌ، وَكَذَا الْمُخَدَّرَاتُ وَالسُّمُومُ الْقَاتِلَةُ، لَا دَلِيلَ عَلَى نَجَاسَتِهَا؛ وَأَمَّا النَّجَاسَةُ فَيُلَازِمُهَا التَّحْرِيمُ، فَكُلُّ نَجِسٍ مُحَرَّمٌ وَلَا عَكْسَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي النَّجَاسَةِ هُوَ الْمَنْعُ عَنْ مُلَابَسَتِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَالْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الْعَيْنِ حُكْمٌ بِتَحْرِيمِهَا بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالتَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُ يُحَرَّمُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَهُمَا طَاهِرَانِ ضَرُورَةً شَرْعِيَّةً وَإِجْمَاعًا، فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَتَحْرِيمُ الْحُمُرِ وَالْخَمْرِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَجَاسَتُهُمَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا بَقِيَتَا عَلَى الْأَصْلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الطَّهَارَةِ، فَمَنْ ادَّعَى خِلَافَهُ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ، وَلِذَا نَقُولُ: لَا حَاجَةَ إلَى إتْيَانِ الْمُصَنِّفِ بِحَدِيثِ " عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ " الْآتِي قَرِيبًا مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى طَهَارَةِ الرَّاحِلَةِ؛ وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَلَوْلَا أَنَّهُ وَرَدَ «دِبَاغُ الْأَدِيمِ طُهُورُهُ» «وَأَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» لَقُلْنَا بِطَهَارَتِهَا، إذْ الْوَارِدُ فِي الْقُرْآنِ تَحْرِيمُ أَكْلِهَا، لَكِنْ حَكَمْنَا بِالنَّجَاسَةِ لَمَّا قَامَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ غَيْرُ دَلِيلِ تَحْرِيمِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>