للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَلْيَتَّبِعْنِي وَلَا أَجْرَ لَهُ» قَالُوا: وَالتَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ النَّصَارَى لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ.

وَاعْتَذَرَ الْجُمْهُورُ عَنْ مُوَاصَلَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّحَابَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَقْرِيعًا لَهُمْ وَتَنْكِيلًا بِهِمْ وَاحْتَمَلَ جَوَازَ ذَلِكَ؛ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ النَّهْيِ فِي تَأْكِيدِ زَجْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا بَاشَرُوهُ ظَهَرَتْ لَهُمْ حِكْمَةُ النَّهْيِ وَكَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إلَى قَبُولِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَلَلِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ وَأَرْجَحُ مِنْ وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ وَالْأَقْرَبُ مِنْ الْأَقْوَالِ هُوَ التَّفْصِيلُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَأَيُّكُمْ مِثْلِي " اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ أَيْ أَيُّكُمْ عَلَى صِفَتِي وَمَنْزِلَتِي مِنْ رَبِّي وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ (يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي) فَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ كَانَ يُطْعَمُ وَيُسْقَى مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا.

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ عَلَى جِهَةِ التَّكْرِيمِ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي التَّكْلِيفَ وَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ طَعَامِ الدُّنْيَا وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْمُرَادُ مَا يُغَذِّيهِ اللَّهُ مِنْ مَعَارِفِهِ وَمَا يُفِيضُهُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ لَذَّةِ مُنَاجَاتِهِ وَقُرَّةِ عَيْنِهِ بِقُرْبِهِ وَتَنَعُّمِهِ بِحُبِّهِ وَالشَّوْقِ إلَيْهِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي هِيَ غِذَاءُ الْقُلُوبِ وَتَنْعِيمُ الْأَرْوَاحِ وَقُرَّةُ الْعَيْنِ وَبَهْجَةُ النُّفُوسِ، وَلِلْقَلْبِ وَالرُّوحِ بِهَا أَعْظَمُ غِذَاءٍ وَأَجْوَدُهُ وَأَنْفَعُهُ وَقَدْ يَقْوَى هَذَا الْغِذَاءُ حَتَّى يُغْنِيَ عَنْ غِذَاءِ الْأَجْسَامِ بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ كَمَا قِيلَ شِعْرًا.

لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاك تَشْغَلُهَا … عَنْ الشَّرَابِ وَتُلْهِيهَا عَنْ الزَّادِ

لَهَا بِوَجْهِك نُورٌ يُسْتَضَاءُ لَهُ … وَمِنْ حَدِيثِك فِي أَعْقَابِهَا حَادِي

وَمَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ أَوْ تَشَوُّقٍ يَعْلَمُ اسْتِغْنَاءَ الْجِسْمِ بِغِذَاءِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْغِذَاءِ الْحَيَوَانِيِّ وَلَا سِيَّمَا الْمَسْرُورُ الْفَرْحَانُ الظَّافِرُ بِمَطْلُوبِهِ الَّذِي قَرَّتْ عَيْنُهُ بِمَحْبُوبِهِ وَتَنَعَّمَ بِقُرْبِهِ وَالرِّضَا عَنْهُ، وَسَاقَ هَذَا الْمَعْنَى وَاخْتَارَ هَذَا الْوَجْهَ فِي الْإِطْعَامِ وَالْإِسْقَاءِ.

وَأَمَّا الْوِصَالُ إلَى السَّحَرِ فَقَدْ أَذِنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ».

وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الْوِصَالَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَفْطَرَ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْإِفْطَارِ لَا أَنَّهُ صَارَ مُفْطِرًا حَقِيقَةً كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مُفْطِرًا حَقِيقَةً لَمَا وَرَدَ الْحَثُّ عَلَى تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ وَلَا النَّهْيُ عَنْ الْوِصَالِ وَلَا اسْتَقَامَ الْإِذْنُ بِالْوِصَالِ إلَى السَّحَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>