للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَسَلْمَانَ "، " وَجَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ، وَغَيْرِهِمْ؛ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَيْسَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ إنْكَارُهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إثْبَاتُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ إنْكَارُهُ إلَّا عَنْ " مَالِكٍ "، مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ عَنْهُ مُصَرِّحَةٌ بِإِثْبَاتِهِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْ الْحُفَّاظِ بِأَنَّ الْمَسْحَ مُتَوَاتِرٌ؛ وَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مُسْتَدِلِّينَ بِمَا سَمِعْت.

وَرُوِيَ عَنْ الْهَادَوِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ الْقَوْلُ بِعَدَمِ جَوَازِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قَالُوا: فَعَيَّنَتْ الْآيَةُ مُبَاشَرَةَ الرِّجْلَيْنِ بِالْمَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا سَلَفَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ أَحَادِيثِ التَّعْلِيمِ، وَكُلُّهَا عَيَّنَتْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ، قَالُوا: وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتُمْ فِي الْمَسْحِ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى النَّسْخِ قَوْلُ " عَلِيٍّ " - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: سَبَقَ الْكِتَابُ الْخُفَّيْنِ.

وَقَوْلُ " ابْنِ عَبَّاسٍ ": مَا مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْمَائِدَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، وَمَسَحَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ كَمَا عَرَفْت، فَكَيْفَ يَنْسَخُ الْمُتَقَدِّمُ الْمُتَأَخِّرَ. بِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ تَأَخُّرَ آيَةِ الْمَائِدَةِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْآيَةِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} مُطْلَقٌ، وَقَيَّدَتْهُ أَحَادِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ، أَوْ عَامٌّ وَخَصَّصَتْهُ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ.

وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ " عَلِيٍّ " - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ " ابْنِ عَبَّاسٍ "، مَعَ أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا ثَبَتَ عَنْهُمَا مِنْ الْقَوْلِ بِالْمَسْحِ، وَقَدْ عَارَضَ حَدِيثُهُمَا مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُمَا، وَهُوَ حَدِيثُ " جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ "، فَإِنَّهُ لَمَّا رَوَى أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ قِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَائِدَةِ أَوْ بَعْدَهَا؟ قَالَ: وَهَلْ أَسْلَمْت إلَّا بَعْدَ الْمَائِدَةِ؟ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّعْلِيمِ فَلَيْسَ فِيهَا مَا يُنَافِي جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا فِيمَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ خُفَّانِ فَأَيُّ دَلَالَةٍ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: قَدْ ثَبَتَ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ الْقِرَاءَةُ بِالْجَرِّ لِأَرْجُلِكُمْ عَطْفًا عَلَى الْمَمْسُوحِ وَهُوَ الرَّأْسُ، فَيُحْمَلُ عَلَى مَسْحِ الْخُفَّيْنِ كَمَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ، وَيَتِمُّ ثُبُوتُ الْمَسْحِ بِالسُّنَّةِ وَالْكِتَابِ، وَهُوَ أَحْسَنُ الْوُجُوهِ الَّتِي تُوَجَّهُ بِهِ قِرَاءَةُ الْجَرِّ.

إذَا عَرَفْت هَذَا فَلِلْمَسْحِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ شَرْطَانِ:

مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْحَدِيثُ وَهُوَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ مَعَ كَمَالِ طَهَارَةِ الْقَدَمَيْنِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَلْبَسَهُمَا وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ تَامَّةٍ، بِأَنْ يَتَوَضَّأَ حَتَّى يُكْمِلَ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَلْبَسَهُمَا، فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثًا أَصْغَرَ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِطَاهِرَتَيْنِ الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ، وَقَدْ قِيلَ: بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا طَاهِرَتَانِ عَنْ النَّجَاسَةِ، يُرْوَى عَنْ دَاوُد، وَيَأْتِي مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا يُقَوِّي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ. مُسْتَفَادٌ مِنْ مُسَمَّى الْخُفِّ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَامِلُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ سَاتِرًا، قَوِيًّا، مَانِعًا نُفُوذَ الْمَاءِ غَيْرَ مُخَرَّقٍ، فَلَا يُمْسَحُ عَلَى مَا لَا يَسْتُرُ الْعَقِبَيْنِ، وَلَا عَلَى مُخَرَّقٍ يَبْدُو مِنْهُ مَحَلُّ الْفَرْضِ، وَلَا عَلَى مَنْسُوجٍ إذَا لَمْ يَمْنَعْ نُفُوذَ الْمَاءِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>