للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَالْوِكَاءَ.

فَأَمَّا إذَا عَرَفَ إحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ، وَجَهِلَ الْأُخْرَى فَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِمَعْرِفَتِهِمَا جَمِيعًا، وَقِيلَ: تُدْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَ الْإِنْظَارِ مُدَّةً ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ تُدْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَ وَصْفِهِ لِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا بِغَيْرِ يَمِينِهِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ فَقِيلَ: تُدْفَعُ إلَيْهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَقِيلَ: لَا تُرَدُّ إلَيْهِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَقَالَ مَنْ أَوْجَبَ الْبَيِّنَةَ إنَّ فَائِدَةَ أَمْرِ الْمُلْتَقِطِ بِمَعْرِفَتِهِمَا لِئَلَّا تَلْتَبِسَ بِمَالِهِ لَا لِأَجْلِ رَدِّهَا لِمَنْ وَصَفَهَا فَإِنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَيْهِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ قَالُوا: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ لَا يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ.

وَهَذَا أَصْلٌ مُقَرَّرٌ شَرْعًا لَا يُخْرَجُ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ وَصْفِ الْمُدَّعِي لِلْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ وُجُوبُ الرَّدِّ بِمُجَرَّدِ الْوَصْفِ فَإِنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ "، وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مُقَدَّرٌ بَعْدَ قَوْلِهِ «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا» أَيْ فَأَعْطِهِ إيَّاهَا، وَإِنَّمَا حُذِفَ جَوَابُ الشَّرْطِ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَحَدِيثُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» لَيْسَتْ الْبَيِّنَةُ مَقْصُورَةً عَلَى الشَّهَادَةِ بَلْ هِيَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْحَقُّ، وَمِنْهَا وَصْفُ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ قَالَ مَنْ اشْتَرَطَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا إذَا ثَبَتَتْ الزِّيَادَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ فَأَعْطِهَا إيَّاهُ كَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا وَالزِّيَادَةُ قَدْ صَحَّتْ كَمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، وَيَجِبُ الرَّدُّ بِالْوَصْفِ، وَكَمَا أَوْجَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّعْرِيفَ بِهَا فَقَدْ حَدَّ وَقْتَهُ بِسَنَةٍ فَأَوْجَبَ التَّعْرِيفَ بِهَا سَنَةً.

وَأَمَّا مَا بَعْدَهَا فَقِيلَ: لَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِهَا بَعْدَ السَّنَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، وَالدَّلِيلُ مَعَ الْأَوَّلِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُعَرِّفُ بِهَا سَنَةً لَا غَيْرُ حَقِيرَةً كَانَتْ أَوْ عَظِيمَةً ثُمَّ التَّعْرِيفُ يَكُونُ فِي مَظَانِّ اجْتِمَاعِ النَّاسِ مِنْ الْأَسْوَاقِ، وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، وَالْمَجَامِعِ الْحَافِلَةِ، قَوْلُهُ «، وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا» نُصِبَ شَأْنُك عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ بِهَا، وَهُوَ تَفْوِيضٌ لَهُ فِي حِفْظِهَا أَوْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِ الْمُلْتَقِطِ فِيهَا أَيَّ تَصَرُّفٍ إمَّا بِصَرْفِهَا عَلَى نَفْسِهِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا أَوْ التَّصَدُّقِ بِهَا إلَّا أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهَا فَعِنْدَ مُسْلِمٍ «ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا كَانَتْ، وَدِيعَةً عِنْدَك»، وَفِي رِوَايَةٍ «ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَك فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ».

وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهَا بَعْدَ السَّنَةِ قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: إنَّهُ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ لَهُ تَمَلُّكَهَا، وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا، وَمِثْلُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَكَلَهَا ضَمِنَهَا لِصَاحِبِهَا إلَّا أَهْلَ الظَّاهِرِ فَقَالُوا تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ السَّنَةِ، وَتَصِيرُ مَالًا مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَضْمَنُهَا إنْ جَاءَ صَاحِبُهَا (قُلْت)، وَلَا أَدْرِي مَا يَقُولُونَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَنَحْوِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>