للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَى أَقْوَالٍ ثَمَانِيَةٍ: (الْأَوَّلُ): أَنَّ النَّوْمَ نَاقِضٌ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، بِدَلِيلِ إطْلَاقِهِ فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ " الَّذِي سَلَفَ فِي مَسْحِ الْخُفَّيْنِ، وَفِيهِ: [مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ نَوْمٍ] قَالُوا: فَجَعَلَ مُطْلَقَ النَّوْمِ كَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ فِي النَّقْضِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ " بِأَيِّ عِبَارَةٍ رُوِيَ. لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ قَرَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَلَا رَآهُمْ، فَهُوَ فِعْلُ صَحَابِيٍّ لَا يُدْرَى كَيْفَ وَقَعَ، وَالْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ وَتَقْرِيرَاتِهِ.

(الْقَوْلِ الثَّانِي): أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا لِمَا سَلَفَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ "، وَحِكَايَةُ نَوْمِ الصَّحَابَةِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ، وَلَوْ كَانَ نَاقِضًا لَمَا أَقَرَّهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَوْحَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْحَى إلَيْهِ فِي شَأْنِ نَجَاسَةِ نَعْلِهِ، وَبِالْأَوْلَى صِحَّةُ صَلَاةِ مَنْ خَلْفَهُ، وَلَكِنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ ".

(الْقَوْلِ الثَّالِثُ): أَنَّ النَّوْمَ نَاقِضٌ كُلَّهُ، إنَّمَا يُعْفَى عَنْ خَفْقَتَيْنِ وَلَوْ تَوَالَتَا، وَعَنْ الْخَفَقَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ وَالْخَفْقَةُ: هِيَ مَيَلَانُ الرَّأْسِ مِنْ النُّعَاسِ، وَحَدُّ الْخَفْقَةِ أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ رَأْسُهُ مِنْ الْمَيْلِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَمَنْ لَمْ يَمِلْ رَأْسُهُ، عُفِيَ لَهُ عَنْ قَدْرِ خَفْقَةٍ، وَهِيَ مَيْلُ الرَّأْسِ فَقَطْ حَتَّى يَصِلَ ذَقَنُهُ صَدْرَهُ قِيَاسًا عَلَى نَوْمِ الْخَفْقَةِ، وَيَحْمِلُونَ أَحَادِيثَ أَنَسٍ " عَلَى النُّعَاسِ الَّذِي لَا يَزُولُ مَعَهُ التَّمْيِيزُ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ.

(الْقَوْلِ الرَّابِعُ):

أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِنَاقِضٍ بِنَفْسِهِ، بَلْ هُوَ مَظِنَّةٌ لِلنَّقْضِ لَا غَيْرُ، فَإِذَا نَامَ جَالِسًا، مُمَكِّنًا مَقْعَدَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، لَمْ يَنْقُضْ، وَإِلَّا انْتَقَضَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَنْ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَهُوَ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ " وَقَدْ عَنْعَنَهُ، وَحَمَلَ أَحَادِيثَ أَنَسٍ " عَلَى مَنْ نَامَ مُمَكِّنًا مَقْعَدَتَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَقَيَّدَ حَدِيثَ صَفْوَانَ " بِحَدِيثِ عَلِيٍّ " - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَذَا.

(الْخَامِسُ): أَنَّهُ إذَا نَامَ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الْمُصَلِّي رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ قَائِمًا، فَإِنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا، فَإِنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ عَلَى قَفَاهُ نُقِضَ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ: «إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ يَقُولُ: عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي، وَجَسَدُهُ سَاجِدٌ بَيْنَ يَدَيْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ ضُعِّفَ. قَالُوا: فَسَمَّاهُ سَاجِدًا وَهُوَ نَائِمٌ، وَلَا سُجُودَ إلَّا بِطَهَارَةٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ سَمَّاهُ بِاعْتِبَارِهِ أَوَّلَ أَمْرِهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ هَيْئَتِهِ.

(السَّادِسُ): أَنَّهُ يُنْتَقَضُ إلَّا نَوْمَ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِالسُّجُودِ فَقَدْ قَاسَ عَلَيْهِ الرُّكُوعَ، كَمَا قَاسَ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى سَائِرِ هَيْئَاتِ الْمُصَلِّي.

(السَّابِعُ):

أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَيِّ حَالٍ، وَيَنْقُضُ خَارِجَهَا، وَحُجَّتُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ.

(الثَّامِنُ): أَنَّ كَثِيرَ النَّوْمِ يَنْقُضُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يَنْقُضُ قَلِيلُهُ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِنَاقِضٍ بِنَفْسِهِ، بَلْ مَظِنَّةُ النَّقْضِ، وَالْكَثِيرُ مَظِنَّةٌ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ، وَحَمَلُوا أَحَادِيثَ أَنَسٍ " عَلَى الْقَلِيلِ، إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا قَدْرَ الْقَلِيلِ وَلَا الْكَثِيرِ، حَتَّى يَعْلَمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>