للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَبِي دَاوُد مَا لَفْظُهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً. الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ قَالَ عِزُّ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذُكِرَ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْهَا عَنْ الْإِيمَانِ إلَّا لِأَنَّ السَّائِلَ قَالَ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ.

(الثَّالِثَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّقَبَةِ الْمَعِيبَةِ بِأَيِّ عَيْبٍ، فَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَدَاوُد تُجْزِئُ الْمَعِيبَةُ لِتَنَاوُلِ اسْمِ الرَّقَبَةِ لَهَا وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى عَدَمِ إجْزَاءِ الْمَعِيبَةِ قِيَاسًا عَلَى الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا بِجَامِعِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ.

وَفَصَّلَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ كَامِلَةَ الْمَنْفَعَةِ كَالْأَعْوَرِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ نَقَصَتْ مَنَافِعُهُ لَمْ تَجُزْ إذَا كَانَ ذَلِكَ يُنْقِصُهَا نُقْصَانًا ظَاهِرًا كَالْأَقْطَعِ وَالْأَعْمَى إذْ الْعِتْقُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ نَقَصَتْ.

وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفَاصِيلُ فِي الْعَيْبِ يَطُولُ تَعْدَادُهَا وَيَعِزُّ قِيَامُ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهَا.

(الرَّابِعَةُ) أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ وَعَلَيْهِ دَلَّتْ الْآيَةُ وَشُرِطَتْ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَوْ مَسَّ فِيهِمَا اسْتَأْنَفَ، وَهُوَ إجْمَاعٌ إذَا وَطِئَهَا نَهَارًا مُتَعَمِّدًا.

وَكَذَا لَيْلًا عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ، وَلَوْ نَاسِيًا لِلْآيَةِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ إلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ إفْسَادُ الصَّوْمِ، وَلَا إفْسَادَ بِوَطْءِ اللَّيْلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ وَاخْتَلَفُوا إذَا وَطِئَ نَهَارًا نَاسِيًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ الصَّوْمَ، وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ بَلْ يَسْتَأْنِفُ كَمَا إذَا وَطِئَ عَامِدًا لِعُمُومِ الْآيَةِ قَالُوا وَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ إفْسَادَ الصَّوْمِ بَلْ دَلَّ عُمُومُ الدَّلِيلِ لِلْأَحْوَالِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَتِمُّ الْكَفَّارَةُ إلَّا بِوُقُوعِهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ.

(الْخَامِسَةُ) اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا إذَا عَرَضَ لَهُ فِي أَثْنَاءِ صِيَامِهِ عُذْرٌ مَيْئُوسٌ ثُمَّ زَالَ هَلْ يَبْنِي عَلَى صَوْمِهِ، أَوْ يَسْتَأْنِفُ، فَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إنَّهُ يَبْنِي عَلَى صَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ بَلْ يَسْتَأْنِفُ لِاخْتِيَارِهِ التَّفْرِيقَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعُذْرَ صَيَّرَهُ كَغَيْرِ الْمُخْتَارِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعُذْرُ مَرْجُوًّا فَقِيلَ: يَبْنِي أَيْضًا وَقِيلَ: لَا يَبْنِي؛ لِأَنَّ رَجَاءَ زَوَالِ الْعُذْرِ صَيَّرَهُ كَالْمُخْتَارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَعَ الْعُذْرِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ.

(السَّادِسَةُ) أَنَّ تَرْتِيبَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصُمْ عَلَى قَوْلِ السَّائِلِ مَا أَمْلِكُ إلَّا رَقَبَتِي يَقْضِي بِمَا قَضَتْ بِهِ الْآيَةُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا لِعَدَمِ وِجْدَانِ الرَّقَبَةِ، فَإِنْ وَجَدَ الرَّقَبَةَ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُهَا لِخِدْمَتِهِ لِلْعَجْزِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الصَّوْمُ. (فَإِنْ قِيلَ:) إنَّهُ قَدْ صَحَّ التَّيَمُّمُ لِوَاجِدِ الْمَاءِ إذَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَهَلَّا قِسْتُمْ هَذَا عَلَيْهِ؟

(قُلْت): لَا يُقَاسُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ قَدْ شُرِعَ مَعَ الْعُذْرِ فَكَانَ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْمَاءِ كَالْعُذْرِ.

(فَإِنْ قِيلَ:) فَهَلْ يُجْعَلُ الشَّبَقُ إلَى الْجِمَاعِ عُذْرًا يَكُونُ لَهُ مَعَهُ الْعُدُولُ إلَى الْإِطْعَامِ وَيُعَدُّ صَاحِبُ الشَّبَقِ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ لِلصَّوْمِ؟

(قُلْت): هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ سَلَمَةَ. وَقَوْلُهُ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالصِّيَامِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>