للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَالْقُرْءُ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّعَ أَطْهَارَهُنَّ فِي غُزَاتِهِ وَآثَرَهَا عَلَيْهِنَّ أَيْ آثَرَ الْغَزْوَ عَلَى الْقُعُودِ فَضَاعَتْ قُرُوءُ نِسَائِهِ بِلَا جِمَاعٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا الْأَطْهَارُ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَطَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى أَنَّهَا الْحَيْضُ وَبِهِ قَالَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَحْمَدُ وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَقُولُ إنَّهَا الْأَطْهَارُ، وَأَنَا الْيَوْمُ أَذْهَبُ إلَى أَنَّهَا الْحَيْضُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ الْقُرْءُ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ إلَّا فِي الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}، وَهَذَا هُوَ الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ؛ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ فِي الرَّحِمِ هُوَ أَحَدُهُمَا وَبِهَذَا فَسَّرَهُ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ.

وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك» وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الطُّهْرُ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» وَسَيَأْتِي.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ الْآيَةَ أَفَادَتْ تَحْرِيمَ كِتْمَانِ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ، وَهُوَ الْحَيْضُ، أَوْ الْحَبَلُ، أَوْ كِلَاهُمَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَيْضَ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ تَحْرِيمَ كِتْمَانِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ الْحَيْضُ، فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ الْأَطْهَارُ، فَإِنَّهَا تَنْقَضِي بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ، أَوْ الثَّالِثَةِ فَكِتْمَانُ الْحَيْضِ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ مَعْرِفَةِ انْقِضَاءِ الطُّهْرِ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ الْعِدَّةُ فَتَكُونُ دَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ أَظْهَرَ وَعَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لَفْظَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِتَنْتَظِرَ عِدَادَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا ثُمَّ لِتَدَعَ الصَّلَاةَ ثُمَّ لِتَغْتَسِلْ وَلْتُصَلِّ»، وَهَذِهِ رِوَايَةُ نَافِعٍ، وَنَافِعٌ أَحْفَظُ مِنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ الرَّاوِي لِذَلِكَ اللَّفْظِ، هَذَا حَاصِلُ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ رَدِّهِ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ.

وَعَنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَرَدَ بِحَيْضَةٍ، وَهُوَ النَّصُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدَّةِ أَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقِّ الزَّوْجِ فَاخْتَصَّتْ بِزَمَانِ حَقِّهِ، وَهُوَ الطُّهْرُ وَبِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ فَيُعْلَمُ فِيهَا الْبَرَاءَةُ بِوَاسِطَةِ الْحَيْضِ بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ أَكْثَرَ الِاسْتِدْلَالَ الْمُتَنَازِعُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كُلٌّ يَسْتَدِلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَغَايَةُ مَا أَفَادَتْ الْأَدِلَّةُ أَنَّهُ أُطْلِقَ الْقُرْءُ عَلَى الْحَيْضِ وَأُطْلِقَ عَلَى الطُّهْرِ، وَهُوَ فِي الْآيَةِ مُحْتَمَلٌ كَمَا عَرَفْت، فَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ مَجَازًا فَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَلَكِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَيْضِ مَجَازٌ فِي الطُّهْرِ، أَوْ الْعَكْسُ.

قَالَ الْأَكْثَرُونَ بِالْأَوَّلِ، وَقَالَ الْأَقَلُّونَ بِالثَّانِي فَالْأَوَّلُونَ يَحْمِلُونَهُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ وَالْأَقَلُّونَ عَلَى الطُّهْرِ، وَلَا يَنْهَضُ دَلِيلٌ عَلَى تَعَيُّنِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْمَوْجُودِ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ. وَلِلْمَجَازِ

<<  <  ج: ص:  >  >>