للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٥٨ - وَعَنْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مَعَنَا فِي بَيْتِنَا، وَقَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، فَقَالَ: أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ

يَسُدُّ جُوعَ الصَّبِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ لَا تَحْرُمُ الْحُقْنَةُ وَكَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّهَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الرَّضَاعِ.

قُلْت: إذَا لُوحِظَ الْمَعْنَى مِنْ الرَّضَاعِ دَخَلَ كُلُّ مَا ذَكَرُوا، وَإِنْ لُوحِظَ مُسَمَّى الرَّضَاعِ، فَلَا يَشْمَلُ إلَّا الْتِقَامَ الثَّدْيِ وَمَصَّ اللَّبَنِ مِنْهُ كَمَا تَقُولُهُ الظَّاهِرِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَحْرُمُ إلَّا ذَلِكَ وَلِمَا حُصِرَ فِي الْحَدِيثِ الرَّضَاعَةُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْمَجَاعَةِ كَمَا قَدْ عَرَفْت، وَقَدْ وَرَدَ.

(وَعَنْهَا) أَيْ عَائِشَةَ (قَالَتْ «جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مَعَنَا فِي بَيْتِنَا، وَقَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، فَقَالَ أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «فَأَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ» فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ) مُعَارِضًا لِذَلِكَ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْمُشِيرِ إلَى أَنَّهُ قَدْ خُصِّصَ هَذَا الْحُكْمُ بِحَدِيثِ سَهْلَةَ، فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ الرَّضَاعَةِ مِنْ الْمَجَاعَةِ وَبَيَانُ الْقِصَّةِ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ كَانَ قَدْ تَبَنَّى سَالِمًا وَزَوَّجَهُ وَكَانَ سَالِمٌ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} الْآيَةَ كَانَ مَنْ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ نُسِبَ إلَى أَبِيهِ وَمَنْ لَا أَبَ لَهُ مَعْرُوفٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ فَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَتْ سَهْلَةُ تَذْكُرُ مَا نَصَّهُ الْحَدِيثُ فِي الْكِتَابِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَذَهَبَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلَى ثُبُوتِ حُكْمِ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاضِعُ بَالِغًا عَاقِلًا قَالَ عُرْوَةُ: إنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخَذَتْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ وَبَنَاتِ أَخِيهَا يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ. رَوَاهُ مَالِكٌ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعُرْوَةَ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ إلَى عَائِشَةَ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ سَهْلَةَ هَذَا، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}، فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا كَانَ فِي الصِّغَرِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الصِّغَرِ فَالْجُمْهُورُ قَالُوا: مَهْمَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، فَإِنَّ رَضَاعَهُ يُحَرِّمُ، وَلَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ بَعْدَهُمَا مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>