للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: وَهِيَ أَعَمُّ فِي الِاسْتِدْرَاكِ بِهَا مِنْ " لَكِنْ " تَقُولُ فِي الْمُوجَبِ: قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو، وَفِي الْمَنْفِيِّ: مَا قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} [الواقعة: ٦٦] {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة: ٦٧] {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ - بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} [المؤمنون: ٦٢ - ٦٣] وَمِثَالُ الْمَنْفِيِّ بَعْدَهَا {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ} [الطور: ٣٣] {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الصافات: ٢٩] . وَقِيلَ: هِيَ لِلْإِعْرَاضِ عَمَّا قَبْلَهَا أَيْ جَعْلُهُ فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهَا " لَا " صَارَ نَصًّا فِي نَفْيِ الْأَوَّلِ نَحْوَ جَاءَ زَيْدٌ لَا بَلْ عَمْرٌو. ثُمَّ إنْ تَلَاهَا جُمْلَةٌ كَانَتْ بِمَعْنَى الْإِضْرَابِ إمَّا الْإِبْطَالِيُّ نَحْوُ {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: ٢٦] أَيْ: بَلْ هُمْ، وَإِمَّا الِانْتِقَالِيُّ أَيْ: الِانْتِقَالُ بِهَا مِنْ غَرَضٍ إلَى غَرَضٍ آخَرَ. وَزَعَمَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ " وَابْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي التَّنْزِيلِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: ١٦٦] فَاسْتَدْرَكَ بِبَيَانِ عُدْوَانِهِ وَخَرَجَ مِنْ قِصَّةٍ إلَى أُخْرَى، وَهِيَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَرْفُ ابْتِدَاءٍ لَا عَاطِفَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ: إذَا قُلْت جَاءَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَجُزْ لَك أَنْ تُقَدِّرَ " لَكِنْ " حَرْفًا عَاطِفًا جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ، وَإِنْ شِئْت اعْتَقَدْتهَا حَرْفَ ابْتِدَاءٍ يُسْتَأْنَفُ عِنْدَهَا الْكَلَامُ، وَهَكَذَا إذَا جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ فَإِنْ اعْتَقَدْتهَا عَاطِفَةً فَلَا وَقْفَ عَلَى مَا قَبْلَهَا دُونَهَا؛ إذْ لَا تَقِفُ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَتَبْتَدِئُ بِالْمَعْطُوفِ، وَإِنْ اعْتَقَدْتهَا حَرْفَ ابْتِدَاءٍ فَلَكَ الْخِيَارُ فِي الْوَقْفِ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَوَصْلِهِ. انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>