للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُطِفَ بِهَا مُفْرَدٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ النَّفْيَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا مَنْفِيًّا لِتَحْصِيلِ الْمُغَايَرَةِ، وَإِذَا عُطِفَ بِهَا جُمْلَةٌ فَهِيَ تَحْتَمِلُ الْإِثْبَاتَ فَيَكُونُ مَا قَبْلَهَا مَنْفِيًّا، وَتَحْتَمِلُ النَّفْيَ فَيَكُونُ مَا قَبْلَهَا مُثْبَتًا. فَحَصَلَ اخْتِلَافُ الْكَلَامَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْأَوَّلَ أَمْ الثَّانِيَ. قَالَ النَّحْوِيُّونَ: وَهِيَ فِي عَطْفِ الْجُمَلِ نَظِيرُ " بَلْ " أَيْ: فِي الْوُقُوعِ بَعْدَ النَّفْيِ وَالْإِيجَابِ، كَمَا أَنَّهَا فِي عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ نَقِيضُ " لَا " حَيْثُ تَخْتَصُّ " لَا " بِمَا بَعْدَ الْإِيجَابِ وَ " لَكِنْ " بِمَا بَعْدَ النَّفْيِ. وَإِنَّمَا تَعْطِفُ بَعْدَ النَّفْيِ نَحْوَ مَا جَاءَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو. فَإِنْ جَاءَتْ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ كَانَتْ عِنْدَهُمْ لِتَرْكِ قَضِيَّةٍ تَامَّةٍ إلَى قَضِيَّةٍ أُخْرَى تَامَّةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْأُولَى كَقَوْلِك: جَاءَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَأْتِ، وَهِيَ فِي النَّفْيِ بِمَنْزِلَةِ " بَلْ " لَكِنْ " بَلْ " أَعَمُّ مِنْهَا فِي الِاسْتِدْرَاكِ، وَمَوْضُوعُهَا مُخَالَفَةُ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا مِنْ الْإِيجَابِ وَالنَّفْيِ.

[مِنْ أَدَوَات الْمَعَانِي لكن]

(لَكِنَّ) وَأَمَّا مُشَدَّدَةُ النُّونِ النَّاصِبَةُ لِلِاسْمِ الرَّافِعَةُ لِلْخَبَرِ فَمَعْنَاهَا الِاسْتِدْرَاكُ أَيْضًا. وَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: إنَّ " لَكِنَّ " لَا تَدَارُكَ فِيهَا وَإِنَّمَا جِيءَ بِهَا لِيَثْبُتَ مَا بَعْدَ النَّفْيِ فَإِنَّمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي أَثَرٍ ذَكَرَهُ " بَلْ " وَرَأَى أَنَّ " بَلْ " كَأَنَّهَا يُتَدَارَكُ بِهَا نِسْيَانٌ أَوْ غَلَطٌ، فَفَرَّقَ بَيْنَ " لَكِنَّ " وَبَيْنَ " بَلْ " بِنَفْيِ مَا أَثْبَتَهُ دَلِيلٌ عَنْهَا لَا أَنَّ لَكِنَّ لَيْسَتْ لِلِاسْتِدْرَاكِ. فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ دَقَائِقِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>