للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: ١١٠] " كَانَ " عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِ الشَّيْءِ فِي زَمَنِ مَاضٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمٍ سَابِقٍ، وَلَا عَلَى انْقِطَاعٍ طَارِئٍ، وَمِنْهُ {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٩٦] ، وَقَالَ ابْنُ مُعْطٍ فِي أَلْفِيَّتِهِ ": وَكَانَ لِلْمَاضِي الَّذِي مَا انْقَطَعَا وَحَكَى ابْنُ الْخَبَّازِ فِي شَرْحِهَا قَوْلًا أَنَّهَا تُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ مُحْتَجًّا بِالْآيَةِ، وَسَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ هِشَامٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُنْكِرُهُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: غَرَّهُ فِيهِ عِبَارَةُ ابْنِ مُعْطٍ، وَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ، بَلْ الْخِلَافُ فِي أَنَّهَا تُفِيدُ الِانْقِطَاعَ أَوْ لَا تَقْتَضِي الِانْقِطَاعَ وَلَا عَدَمَهُ، وَأَمَّا إثْبَاتُ قَوْلِهِ بِالِاتِّصَالِ وَالدَّوَامِ فَلَا يُعْرَفُ.

قُلْت: وَقَالَ الْأَعْلَمُ: تَأْتِي لِلْأَمْرَيْنِ، فَالِانْقِطَاعُ نَحْوَ كُنْت غَائِبًا، وَأَمَّا الْآنَ حَاضِرٌ، وَالِاتِّصَالُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٩٦] وَهُوَ فِي كُلِّ حَالٍ مَوْصُوفٌ بِذَلِكَ. وَهَاهُنَا قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ التَّفْسِيرِ: وَهِيَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ إخْبَارُ اللَّهِ عَنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِلَفْظِ " كَانَ " كَثِيرًا {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء: ١٤٨] {وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: ١٣٠] {غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٩٦] {تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: ١٦] وَأَنَّهَا لَمْ تُفَارِقْ ذَاتَهُ، وَلِهَذَا يُقَدِّرُهَا بَعْضُهُمْ بِمَا زَالَ فِرَارًا مِمَّا يَسْبِقُ إلَى الْوَهْمِ مِنْ أَنَّ " كَانَ " تُفِيدُ انْقِطَاعَ الْمُخْبَرِ بِهِ مِنْ الْوُجُودِ، كَقَوْلِهِمْ: دَخَلَ فِي خَبَرِ كَانَ.

قَالُوا: فَكَانَ وَمَا زَالَ أُخْتَانِ فَجَازَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ إحْدَاهُمَا فِي مَعْنَى الْأُخْرَى مَجَازًا بِالْقَرِينَةِ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَزَلِيَّةِ الصِّفَاتِ ثُمَّ يَسْتَفِيدُ مَعْنَاهَا مِنْ الْحَالِ، وَفِيمَا لَا يَزَالُ بِالْأَدِلَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>