للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتَّكْرَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَغْرَقَ الْأَوْقَاتَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفَوْرِيَّةُ، هَلْ يَجِبُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ الْمُدَّعَى ذَلِكَ فِيهِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ أَوْ بِجُمْلَةِ أَفْعَالٍ؟ فَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ، وَقِيلَ: يَعُمُّهَا، وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي وَاحِدًا إذَا تَرَكَ الْمُكَلَّفُ إيقَاعَهُ عَقِبَ الْأَمْرِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلٌ مِثْلُهُ، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ بِنَفْسِ الْأَمْرِ بِهِ أَوْ لَا يَجِبُ إلَّا بِأَمْرٍ مُسْتَأْنَفٍ؟ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّرَاخِي هَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى غَايَةٍ مَحْدُودَةٍ أَوْ لَا؟ فَقِيلَ: يَجُوزُ إلَى غَايَةٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ مَاتَ آثِمًا، وَقِيلَ: لَا إثْمَ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ فَوَاتُهُ إنْ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ، وَفَصَّلَ آخَرُونَ، فَقَالُوا: قَدْ يَكُونُ إلَى غَايَةٍ، وَهِيَ أَنْ لَا يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ فَإِنْ مَاتَ كَانَ مَعْذُورًا غَيْرَ آثِمٍ، وَقَدْ يَكُونُ إلَى غَايَةٍ مُحَدَّدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الِاخْتِرَامُ عِنْدَ حُصُولِهَا، فَحِينَئِذٍ يَتَعَجَّلُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. انْتَهَى.

وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ: حَيْثُ قُلْنَا: لَا يُفِيدُ الْفَوْرَ فَلَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمُوتَ حَتَّى يَفْعَلَهُ، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا أَخَّرَ لَمْ يَأْثَمْ فَلِمَ أَثَّمْتُمُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ قُلْنَا: إنَّمَا جَوَّزْنَا لَهُ التَّأْخِيرَ عَلَى وَصْفٍ، فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّأْخِيرُ. قَالَ: وَنَظِيرُهُ رَامِي الْغَرَضِ يَرْمِي عَلَى غَرَرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُصِيبَ وَأَنْ لَا يُصِيبَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْكَفَّارَةِ فَإِنْ قِيلَ: مَتَى يَكُونُ عَاصِيًا؟ قِيلَ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَكُونُ فِي جَمِيعِ السِّنِينَ عَاصِيًا، كَمَا يَقُولُ فِي السُّكْرِ: إنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِالْقَدَحِ الْأَخِيرِ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْ الْأَقْدَاحِ كَذَلِكَ هَذَا، وَكَانَ أَبُو حَفْصٍ يَقُولُ: إذَا مَضَتْ عَلَيْهِ سَنَةٌ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَحُجَّ فَلَمْ يَفْعَلْ وَمَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عُلِمَ أَنَّ حَجَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَكَانَ عَاصِيًا، فَإِذَا بَقِيَ إلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى فَأَخَّرَ عَنْهَا وَمَاتَ، عُلِمَ أَنَّ حَجَّهُ كَانَ لَهُ وَمَاتَ فَكَانَ عَاصِيًا بِهِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>