للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالْمُطَابَقَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَمَامُ مُسَمَّى الْمُشْرِكِينَ، وَلَا بِالِالْتِزَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَارِجًا، وَلَا بِالتَّضْمِينِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءَ الْمُسَمَّى، إذْ الْجُزْءُ مُقَابِلُ الْكُلِّ، وَالْعُمُومُ كُلِّيٌّ لَا كُلٌّ كَمَا عَرَفْت، فَإِذَنْ لَا يَدُلُّ لَفْظُ " الْمُشْرِكِينَ " عَلَى زَيْدٍ، لِانْتِفَاءِ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ. وَإِذَا لَمْ يَدُلَّ بِذَلِكَ بَطَلَ أَنْ يَدُلَّ لَفْظُ الْعُمُومِ مُطْلَقًا، لِانْحِصَارِ الدَّلَالَةِ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَصْفَهَانِيُّ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمُطَابَقَةِ، وَقَالَ: نَحْنُ حَيْثُ قُلْنَا: اللَّفْظُ إمَّا أَنْ يَدُلَّ مُطَابَقَةً أَوْ تَضَمُّنًا أَوْ الْتِزَامًا، فَذَلِكَ فِي لَفْظٍ مُتَرَدِّدٍ دَالٍّ عَلَى مَعْنًى، لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى نِسْبَةً بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى هُنَا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَبَ.

وَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] فِي قُوَّةِ جُمَلٍ مِنْ الْقَضَايَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ: اُقْتُلْ هَذَا الْمُشْرِكَ، وَهَذَا، وَهَذَا إلَى آخِرِ الْأَفْرَادِ، وَهَذِهِ الصِّيَغُ إذَا اُعْتُبِرَتْ بِجُمْلَتِهَا فَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى زَيْدٍ الْمُشْرِكِ، وَلَكِنَّهَا تَتَضَمَّنُ مَا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِهِ لَا بِخُصُوصِ كَوْنِهِ زَيْدًا بَلْ بِعُمُومِ كَوْنِهِ فَرْدًا، ضَرُورَةُ تَضَمُّنِهِ: اُقْتُلْ زَيْدًا الْمُشْرِكَ، فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْقَضَايَا، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ مَجْمُوعِ تِلْكَ الْقَضَايَا، فَتَكُونُ دَلَالَةُ هَذِهِ الصِّيغَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: قَتْلِ زَيْدٍ الْمُشْرِكِ، لِتَضَمُّنِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْوُجُوبِ، وَاَلَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ هُوَ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ مُطَابَقَةً، قَالَ: فَافْهَمْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ دَقِيقُ الْكَلَامِ.

ثُمَّ اسْتَشْكَلَ نَحْوُ قَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] فَإِنَّ فِيهِ عُمُومَاتٍ: أَحَدُهَا: فِي الْمُشْرِكِينَ. وَالثَّانِي: فِي الْمَأْمُورِ بِقَتْلِهِمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>