للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَاصٍّ، وَهُوَ صَدُّ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَيْتِ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْعَامَّ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَرَدَ مَقْصُودًا بِهِ حَقِيقَةُ السَّبَبِ، وَمُؤَثِّرًا فِي دَفْعِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَرِدَ لِقَصْدِ التَّشْرِيعِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَمْلِ عَلَى الْخُصُوصِ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافٌ. وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ. وَيَشْهَدُ لِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيَّ لَمَّا جَزَمَ الْقَوْلَ بِالْحُكْمِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، قَالَ: يَعُمُّ الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يَرِدْ عَلَى سَبَبٍ أَقْوَى وَهَذَا دُونَهُ، قَالَ: وَلَا جُرْمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ لَا نَرَى دَلَالَتَهُ عَلَى حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا رَآهُ مَالِكٌ، فَإِنَّهُ نَزَلَ عَلَى سَبَبٍ، وَهُوَ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي تَنَاوُلِ الْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ لَا مُحَرَّمَ مِمَّا يَأْكُلُونَ إلَّا كَذَا وَكَذَا يَعُمُّ، قَدْ بَانَ الشَّرْعُ بِصِيغَةٍ فِي تَمْهِيدِ قَاعِدَةٍ. ثُمَّ يُجْعَلُ مَحَلُّ السُّؤَالِ كَالْفَرْعِ لَهُ، أَوْ كَالْمِثَالِ، فَذَلِكَ لَا يُوهِنُ التَّعَلُّقَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، كَقَوْلِهِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ثُمَّ قَالَ: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ» الْحَدِيثَ. وَمَحَلُّ السُّؤَالِ الْهِجْرَةُ، وَلَكِنْ اللَّفْظُ لَا يَتَأَثَّرُ وَلَا يَنْحَطُّ عَنْ غَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَفِيهِ بَحْثٌ. اهـ. وَيَجْتَمِعُ مِمَّا سَبَقَ فِي الْمَنْسُوبِ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ طُرُقٍ:

أَحَدُهَا: حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ لَهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ.

وَالثَّانِيَةُ: تَنْزِيلُهُمَا عَلَى حَالَيْنِ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا.

أَخِيرًا.

وَالثَّالِثَةُ: الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَهِيَ طَرِيقَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ.

وَالرَّابِعَةُ: الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَهِيَ الْمَشْهُورُ

الْخَامِسَةُ: الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِهِ فِيمَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى الْقَصْرِ عَلَى السَّبَبِ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُنَقِّحَةٌ لِلرَّابِعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ فِيمَا إذَا كَانَ الْجَوَابُ أَعَمُّ مِنْ السُّؤَالِ] :

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: الْوَقْفُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْبَعْضَ وَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ حَكَاهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>