للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّجَاةِ نَظَرٌ، فَقَدْ سَبَقَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ السَّرَّاجِ النَّحْوِيِّ مُوَافَقَةُ الْأُصُولِيِّينَ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ السُّؤَالَ لَا عَلَى جِهَةِ الْجَمْعِ، فَقَالَ: إذَا كَانَتْ الْقَرِينَةُ تُصْرَفُ إلَى الْعَهْدِ، وَتَمْنَعُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ، فَهَلَّا جَعَلْتُمْ الْعَامَّ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ مَصْرُوفًا إلَى الْعَهْدِ بِقَرِينَةِ السَّبَبِ الْخَاصِّ، وَقُلْتُمْ: وَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ؟ وَأَجَابَ بِأَنَّ تَقَدُّمَ السَّبَبِ الْخَاصِّ قَرِينَةٌ فِي أَنَّهُ مُرَادٌ لَا أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ، فَنَحْنُ نَعْمَلُ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ، فَنَقُولُ: دَلَالَةُ هَذَا الْعَامِّ عَلَى مَحَلِّ السَّبَبِ قَطْعِيَّةٌ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ ظَنِّيَّةٌ، إذْ لَيْسَ فِي السَّبَبِ مَا يُثْبِتُهَا، وَلَا مَا يَنْفِيهَا.

وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْعُدُولَ عَمَّا يَقْتَضِيهِ السَّبَبُ مِنْ الْخُصُوصِ إلَى الْعُمُومِ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْعُمُومِ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، قَالَ: فَإِنْ قُلْت: فَكَيْفَ قِيلَ: مَسَاجِدُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْمَنْعُ وَالتَّخْرِيبُ عَلَى مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، أَوْ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ؟ قُلْت: لَا بَأْسَ أَنْ يَجِيءَ الْحُكْمُ عَامًّا، وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ خَاصًّا، كَمَا تَقُولُ لِمَنْ آذَى صَالِحًا وَاحِدًا: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ آذَى الصَّالِحِينَ؟ وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} [الهمزة: ١] وَالْمَنْزُولُ فِيهِ الْأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِ (مِمَّنْ مَنَعَ) الْعُمُومُ كَمَا أُرِيدَ بِمَسَاجِدِ اللَّهِ، وَلَا يُرَادُ الَّذِينَ مَنَعُوا بِأَعْيَانِهِمْ.

[إذَا كَانَ سَبَبُ الْوَاقِعَةِ شَرْطًا فَهَلْ يَعُمُّ الْخِطَابُ الْوَارِدُ عَلَى تِلْكَ الْوَاقِعَةِ]

الثَّالِثُ: حَيْثُ قُلْنَا: إنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، فَاسْتَثْنَى الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ شَرْطًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>