للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الْخِطَابَ بِالْعَفْوِ فِي بَعْضِ الْمَذْكُورِينَ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى هَذَا الْوَصْفِ، وَالْحُكْمُ ثَابِتٌ عَلَى مَا ثَبَتَ. وَكُلُّ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى التَّرْتِيبِ، فَالْحُكْمُ لَهُ، وَمَا جَازَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْجَمِيعِ، فَالضَّمِيرُ عَنْ جَمِيعِهِ.

وَمَثَّلَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: ٨] ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي} [العنكبوت: ٨] فَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْكَافِرِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى عُمُومِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١] الْآيَةُ ثُمَّ قَالَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ: الْكِنَايَةُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَذْكُورٍ مُتَقَدِّمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ. وَقَدْ خَاطَبَنَا اللَّهُ بِخِطَابِ مُوَاجَهَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: ٢٢] وَإِنَّمَا أَرَادَ بِكُمْ، وَلَوْ خَلَّيْنَا وَالظَّاهِرَ لَقُلْنَا فِيهِ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَطْفٍ، لَكِنْ لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُوَاجَهَةِ، عَلِمْنَا عَوْدَهُ إلَيْهِمْ. نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] خَرَّجَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْوَلِيُّ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الزَّوْجَ لَوَاجَهَهُ، فَلَمَّا عَدَلَ إلَى الْكِنَايَةِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ رَدَّ الْكِنَايَةَ إلَى الْمُوَاجَهَةِ، وَهُوَ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَفْوَهَا وَعَفْوَ زَوْجِهَا، فَكَنَّى كَمَا كَنَّى فِي {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: ٢٢] : قَالَ: وَهَذَا يَجْرِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ إنْ قَامَ الدَّلِيلُ صِرْنَا إلَيْهِ، وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى الظَّاهِرِ. قَالَ: وَجَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ هَذَا أَنْ يُعْطَفَ شَيْءٌ فَيَكُونَ حُكْمُ الثَّانِي حُكْمَ الْأَوَّلِ، كَقَوْلِهِ: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>