للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيَّ يَجْعَلُ هَذَا الْوَصْفَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] مُخْتَصًّا بِالْأَخِيرَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: ٢٣] لِأَنَّ الرَّبِيبَةَ عِنْدَهُ لَا تَحْرُمُ إلَّا بِالدُّخُولِ، وَأُمُّ الزَّوْجَةِ تَحْرُمُ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ. قَالَ الْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ، إذْ الْعَامِلُ فِي قَوْلِهِ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] الْإِضَافَةُ، وَفِي رَبَائِبُكُمْ حَرْفُ الْجَرِّ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: {مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: ٢٣] فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ أَشْعَرَ بِانْقِطَاعِ الْأُولَى عَنْ الثَّانِيَةِ. وَلَك أَنْ تَقُولَ: إذَا جَعَلْنَا الْعَامِلَ فِي الْإِضَافَةِ حَرْفَ الْجَرِّ الْمُقَدَّرِ اتَّحَدَ الْعَامِلُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَهَذَا الشَّرْطُ أَيْضًا مُخَرَّجٌ مِمَّا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ.

التَّاسِعُ: أَنْ يَكُونَ فِي الْجُمَلِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمُفْرَدَاتِ عَادَ لِلْجَمِيعِ اتِّفَاقًا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ عَنْ اخْتِيَارِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِك: أَكْرِمْ زَيْدًا وَعَمْرًا وَبَكْرًا إلَّا مَنْ فَسَقَ مِنْهُمْ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْبُرْهَانِ " وَابْنِ الْحَاجِبِ فِي جَوَابِ شُبْهَةِ الْخَصْمِ: أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَحِينَئِذٍ فَتَعْبِيرُ أَصْحَابِنَا بِالْجُمَلِ لَيْسَ لِلتَّقَيُّدِ، وَإِنَّمَا جَرَى الْغَالِبُ. نَعَمْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَطَالِقَةً إلَّا طَلْقَةً، أَنَّهَا تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ، فَجَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ لِمَا يَلِيهِ فِي الْمُفْرَدَاتِ.

وَمِنْ الْمُهِمِّ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ بِالْجُمْلَةِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا الْمُرَكَّبَةُ مِنْ الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ، أَوْ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَقَالَ: إنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا اللَّفْظُ الَّذِي فِيهِ شُمُولٌ، وَيَصِحُّ إخْرَاجُ بَعْضِهِ، وَلِهَذَا ذَكَرُوا مِنْ صُوَرِهَا الْأَعْدَادَ وَاحْتَجَّ بِآيَةِ الْمُحَارَبَةِ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: ٣٤] قَالَ: وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الْجُمْلَةِ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرْنَاهُ، وَبِمَا رَوَى الصَّحَابَةُ، أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>