للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِطْلَاقِ صَدَقُوا أَمْ كَذَبُوا، فَالْمُرَادُ أَنَّ الشُّعَرَاءَ هَذِهِ حَالَتُهُمْ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا. قَالَ: وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْأَوَّلِ الْأَبْعَدِ دُونَ الْآخَرِ الْأَقْرَبِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ إلَى الْآنِ عَلَى أَصْحَابِنَا انْتَهَى.

وَمِنْهُ مَا يَلْتَبِسُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: ٦٨] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} [الفرقان: ٧٠] فَقَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ مِنْ الْجُمَلِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ لَفْظِ " مَنْ " وَهُوَ مُفْرَدٌ.

الْخَامِسُ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا النَّقْلَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَوْجُودُ فِي كُتُبِهِمْ تَخْصِيصُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ " بِإِلَّا " فَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ نَحْوُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي عَوْدِهِ إلَى الْجَمِيعِ. ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ " مَعَانِي الْأَدَوَاتِ "، فَقَالَ: الِاسْتِثْنَاءُ بِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ يُسَمَّى التَّعْطِيلَ، لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ شَيْءٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا يُسَمَّى التَّحْصِيلَ، لِأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَكَذَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ، وَالْآمِدِيَّ وَأَتْبَاعِهِمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمَشِيئَةِ مَحَلُّ وِفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَفِي " الْبُرْهَانِ " لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ: وَادَّعَى بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ: نِسْوَتِي طَوَالِقُ، وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ، وَدُورِي مُحْبَسَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ رَاجِعٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمَا أَرَاهُمْ يُسَلِّمُونَ ذَلِكَ إنْ عَقَلُوا، فَإِنْ سَلَّمُوهُ فَطَالِبُ الْقَطْعِ لَا يُغْنِي فِيهَا التَّعَلُّقُ بِهَفَوَاتِ الْخُصُومِ وَمُنَاقَضَاتِهِمْ. فَلْيَبْعُدْ طَالِبُ التَّحْقِيقِ عَنْ مِثْلِ هَذَا. انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>