للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مَنْ قَصَرَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ: إنَّ الْمُقْتَضِي لِلدُّخُولِ فِي الْجُمَلِ السَّابِقَةِ قَائِمٌ، وَالْمُخَرَّجُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَزَالُ الْمَقْضِيُّ بِالشَّكِّ. وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الضَّمِيرِ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، وَلَا مُقْتَضِي لِلتَّخْصِيصِ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ. وَهَذَا إذَا كَانَ الضَّمِيرُ جَمْعًا؛ فَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، فَلَوْ قُلْت: أَتَانِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ فَقَتَلْته، لَرَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى خَالِدٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا يَرْجِعُ إلَى مَا قَبْلَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥] فَإِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى اللَّحْمِ، لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ حَزْمٍ حَيْثُ أَعَادَاهُ إلَى الْخِنْزِيرِ لِأَنَّ اللَّحْمَ دَخَلَ فِي عُمُومِ الْمَيْتَةِ هُرُوبًا مِنْ التَّكْرَارِ، وَعَمَلًا بِرُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الْأَقْرَبِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي " الْإِحْكَامِ ": وَالْإِشَارَةُ تُخَالِفُ الضَّمِيرَ فِي عَوْدِهَا إلَى أَبْعَدِ مَذْكُورٍ. هَذَا حُكْمُهَا فِي اللُّغَةِ إذَا كَانَتْ الْإِشَارَةُ، بِذَلِكَ، أَوْ تِلْكَ، أَوْ أُولَئِكَ أَوْ هُوَ، أَوْ هُمْ، أَوْ هُنَّ، أَوْ هُمَا، فَإِنْ كَانَتْ بِهَذَا أَوْ هَذِهِ، فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى حَاضِرٍ قَرِيبٍ ضَرُورَةً

قَالَ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ اللُّغَوِيِّينَ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا أَنْ يَكُونَ الْقُرْءُ مِنْ حُكْمِ الْعِدَّةِ، وَهُوَ الطُّهْرُ خَاصَّةً دُونَ الْحَيْضِ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْءُ فِي اللُّغَةِ وَاقِعًا عَلَيْهِمَا سَوَاءً وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» ، كَأَنَّ قَوْلَهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>