للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي حَنِيفَةَ يُجِيزُونَ مِثْلَ هَذَا فِي الْقِيَاسِ إذَا خَصَّ أَصْلَهُ، وَلَا نُجِيزُهُ نَحْنُ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا نَحْنُ فِي مَسْأَلَةِ الرِّبَا، فَأَمَّا دَلِيلُ الْخِطَابِ فَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ حَتَّى نَتَكَلَّمَ مَعَهُمْ فِي التَّخْصِيصِ بِهِ. اهـ. وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي دَلِيلِ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ

الثَّالِثُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ دَلِيلٌ مِنْ الْمَفْهُومِ، فَيَسْقُطُ حِينَئِذٍ الْمَفْهُومُ، وَيَبْقَى الْعَامُّ عَلَى عُمُومِهِ مِثَالُهُ: نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، مَعَ قَوْلِهِ: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» فَإِنَّا لَمْ نَقُلْ بِالْمَفْهُومِ، وَخَصَّصْنَا بِهِ الْعَامَّ، كَمَا فَعَلَ مَالِكٌ حَيْثُ قَصَرَ الْعُمُومَ عَلَى الطَّعَامِ، لِأَنَّ مَعَنَا دَلِيلًا أَقْوَى مِنْ الْمَفْهُومِ، وَهُوَ التَّنْبِيهُ، لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ غَيْرُهُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْهُومِ، وَالْقِيَاسُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ بِمَنْزِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ، هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ.

عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ أَجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ اسْمٌ، وَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ لَا يُخَصِّصُ مَا عَدَاهُ. قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الِاسْمِ اللَّقَبِ أَمَّا الِاسْمُ الْمُشْتَقُّ، فَإِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الصِّفَةِ، كَالْفَاسِقِ وَالنَّائِمِ.

وَاعْتَرَضَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى هَذَا. وَقَالُوا: تَرَكَ الشَّافِعِيُّ أَصْلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>