للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنْكِرُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْمَفْهُومَ سَلَّمَ الْفَحْوَى فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] . قَالَ: وَأَمَّا مُنْكِرُو صِيَغِ الْعُمُومِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْمَفْهُومَ، وَهُوَ بِالتَّوْقِيفِ أَوْلَى، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ مَا يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِهِ، فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: ١٥] . وَقَالَ: إذَا ذَكَرَ الْحِجَابَ فِي إذْلَالِ الْأَشْقِيَاءِ أَشْعَرَ ذَلِكَ بِنَقِيضِهِ فِي السَّعَادَةِ. وَأَمَّا الظَّاهِرِيَّةُ، فَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ: نُقِلَ عَنْهُمْ إنْكَارُ الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْخِطَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، كَمَا حَكَى عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مَتَى تَطَرَّقَ إلَيْهِ أَدْنَى احْتِمَالٍ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي هَذَا يَسْقُطُ الْعَمَلُ بِهِ، بِخِلَافِ الظَّاهِرِ اللَّفْظِيِّ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَنْبَغِي لِلظَّاهِرِيَّةِ أَنْ يُخَالِفُوا فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ السَّمْعِ، وَاَلَّذِي يَرُدُّ ذَلِكَ يَرُدُّ نَوْعًا مِنْ الْخِطَابِ.

قُلْتُ: قَدْ خَالَفَ فِيهِ ابْنُ حَزْمٍ. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهُوَ مُكَابَرَةٌ.

[الثَّالِثُ الْحُكْمِ بِنَقِيضِ مَفْهُوم الْمُوَافَقَة]

الثَّالِثُ: اخْتَلَفُوا كَمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ بِنَقِيضِ هَذَا الْمَفْهُومِ، مِثْلُ: وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَاقْتُلْهُمَا. قَالَ: وَرَأَيْت الْأَذْرِيَّ تَرَدَّدَ فِيهِ، فَسَلَّمَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة: ٨] . لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ عَمِلَ قِنْطَارًا لِمَ رَدَّهُ لِلتَّنَاقُضِ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ: إنَّمَا يُسْتَفَادُ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِمَا، لِأَجْلِ تَحْدِيدِ النَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ، وَأَشَارَ إلَى جَوَازِ مُضَامَّةِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ بَعْضِهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>