للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ إذْ لَيْسَ الْمَفْهُومُ سَائِرُ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَعْضُ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ، فَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ مَعَ تَبْقِيَةِ الْمَنْطُوقِ نَسْخٌ، بَلْ هُوَ كَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ. .

[الرَّابِعُ إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إخْرَاجِ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ مَفْهُوم الْمُخَالِفَة فَهَلْ يُسْقِطُ بِالْكُلِّيَّةِ]

الرَّابِعُ: إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إخْرَاجِ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الْمَفْهُومِ، فَهَلْ يُسْقِطُ الْمَفْهُومَ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ يَتَمَسَّكَ بِهِ فِي الْبَقِيَّةِ؟ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ إذَا خُصَّ هَلْ يَكُونُ مُجْمَلًا؟ فَإِنْ قُلْنَا: يَصِيرُ مُجْمَلًا، فَالْمَفْهُومُ أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَكُونُ مُجْمَلًا، فَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَرْكُ الْمَفْهُومِ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَلَقَّاهُ بِالنَّظَرِ إلَى فَوَائِدِ التَّخْصِيصِ، وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ إلَّا مُخَالَفَةُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِلْمَنْطُوقِ بِهِ. فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّ بَعْضَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ يُوَافِقُ الْمَنْطُوقَ بِهِ بَطَلَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ هِيَ الْفَائِدَةُ، فَيُطْلَبُ فَائِدَةٌ أُخْرَى. وَالْحَقُّ جَوَازُ التَّمَسُّكِ بِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ، كَمَا إذَا قِيلَ: إنَّمَا الْعَالِمُ زَيْدٌ، وَلَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ، فَإِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إثْبَاتِ عَالِمٍ غَيْرِهِ اقْتَصَرْنَا فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْجَدِيدُ، وَيَبْقَى النَّفْيُ فِيمَا سِوَاهُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ الشَّامِلَ إذَا أُخْرِجَتْ مِنْهُ صُورَةٌ بَقِيَ عَلَى الْعُمُومِ فِيمَا سِوَاهَا، وَعَلَى هَذَا يُقْبَلُ فِيهِ التَّخْصِيصُ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا آكُلُ السَّمَكَ مَثَلًا، وَنَوَى تَخْصِيصَ النَّفْيِ بِغَيْرِهِ يُقْبَلُ مِنْهُ. .

[الْخَامِسُ هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالِفَة قَبْلَ الْبَحْثِ عَمَّا يُوَافِقُهُ أَوْ يُخَالِفُهُ]

الْخَامِسُ: هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَمَّا يُوَافِقُهُ أَوْ يُخَالِفُهُ مِنْ مَنْطُوقٍ آخَرَ؟ فِيهِ خِلَافُ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ. وَحَكَى الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ وَجْهًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْعُمُومِ بِنَظَرِهِ عِنْدَ وُرُودِ الْخِطَابِ بِهِ، فَإِنْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِلْمَذْكُورِ صُيِّرَ إلَيْهِ، وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَذْكُورِ، وَكَانَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ مُخَالِفًا لَهُ. قَالَ: وَصَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، وَاسْتَدَلَّ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِ بِأَلْفَاظٍ سَرَدَهَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>