للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَقَطَ، وَإِنْ عَارَضَهُ عُمُومٌ صَحَّ التَّعَلُّقُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ عَارَضَهُ قِيَاسٌ جَلِيٌّ قُدِّمَ الْقِيَاسُ. وَأَمَّا الْخَفِيُّ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ كَالنُّطْقِ قُدِّمَ دَلِيلُ الْخِطَابِ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ كَالْقِيَاسِ، فَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يُقَدِّمُونَ كَثِيرًا الْقِيَاسَ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ.

قُلْت: وَمَا صَحَّحَهُ فِي مُعَارَضَةِ الْعُمُومِ هِيَ مَسْأَلَةُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ، لَكِنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي "؛ الْبُوَيْطِيِّ " يُخَالِفُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ صَيْدًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً ضَمِنَهُ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥] وَالْحُجَّةُ فِي الْخَطَأِ قَوْلُهُ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] . فَدَخَلَ فِي هَذَا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ. اهـ. فَقَدْ قُدِّمَ هَذَا الْعُمُومُ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: مُتَعَمِّدًا. وَمِنْ الْفَوَائِدِ مَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: لَا يُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى، وَهُوَ شَاهِدٌ لَكِنَّ شُبْهَتَهُ قَوِيَّةٌ. فَإِنَّ مَفْهُومَ قَوْله تَعَالَى: {وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: ١٧٨] . لَا يُعَارَضُ بِالْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] . لِأَنَّ هَذَا خِطَابٌ وَارِدٌ فِي غَيْرِ شَرِيعَتِنَا، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا. وَمَا قَالَهُ فِي الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ عُمُومٌ مَعْنَوِيٌّ، وَإِذَا ثَبَتَ تَقْدِيمُ الْمَفْهُومِ عَلَى الْعُمُومِ اللَّفْظِيِّ فَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَعْنَوِيِّ أَوْلَى. وَيَكُونُ خُرُوجُ صُوَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ كَخُرُوجِهَا مِنْ مُقْتَضَى لَفْظِ الْعُمُومِ. وَمِنْهُ حَاجَةُ الْمُخَاطَبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: ٣١] فَذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ لِحَاجَةِ الْمُخَاطَبِينَ إلَيْهِ إذْ هُوَ الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى قَتْلِهِمْ، لَا لِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِهِ، وَنَظِيرُهُ: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: ١٣٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>