للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَجُوزُ الْإِكْرَاهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْنَ التَّحَصُّنَ، فَلَمَّا سَقَطَ حُكْمُ التَّقْيِيدِ فِي هَذَا، وَلَمْ يَصِرْ نَسْخًا، جَازَ أَنْ يَسْقُطَ غَيْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا سَقَطَ التَّقْيِيدُ كَانَ مُقَيَّدًا؟ قُلْنَا: يَحْتَمِلُ ذِكْرُ التَّقْيِيدِ مَعَ سُقُوطِ حُكْمِهِ أُمُورًا: مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ مَأْخُوذًا مِنْ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ، لِيَسْتَعْمِلَهُ الْمُجْتَهِدُ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا، فَإِنَّ الْحَوَادِثَ غَيْرُ مُنْقَرِضَةٍ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥] فَنَبَّهَ بِالْقِنْطَارِ عَلَى الْكَثِيرِ، وَبِالدِّينَارِ عَلَى الْقَلِيلِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءً. وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ هُوَ الْأَغْلَبُ مِنْ أَحْوَالِ مَا قُيِّدَ بِهِ، فَيَذْكُرُهُ لِغَلَبَتِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] الْآيَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُفَادَاةُ الزَّوْجَيْنِ تَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْحَدِّ وَعَدَمِهِ. وَإِنْ احْتَمَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ وَغَيْرَهَا وَجَبَ النَّظَرُ فِي كُلِّ مُقَيَّدٍ، فَإِنْ ظَهَرَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِهِ سَقَطَ حُكْمُ التَّقْيِيدِ، وَصَارَ فِي عُمُومِ حُكْمِهِ كَالْمُطْلَقِ، وَإِنْ عُدِمَ الدَّلِيلُ وَجَبَ حُكْمُهُ عَلَى تَقْيِيدٍ، وَجُعِلَ شَرْطًا فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>