للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَعَلَ أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ " أَدَبِ الْجَدَلِ " لَهُ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الصِّفَةِ دُونَ الِاسْمِ، فَإِنَّ ذُكِرَا جَمِيعًا كَقَوْلِهِ: «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ» فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ قَطْعًا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، وَإِلَّا لَكَانَ اسْتِدْلَالًا بِالْأَلْقَابِ. وَأَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِشَرْطَيْنِ: كَوْنُهَا غَنَمًا، وَكَوْنُهَا سَائِمَةً. وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ أَحَدِهِمَا. اهـ. وَقَدْ سَبَقَ الْوَجْهَانِ.

قَالَ: فَإِنْ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِنَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ كَقَوْلِهِ: حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، فَهَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَجِلْدَهُ وَشَعْرَهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ؟ وَهَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَغَيْرِهِ حَلَالٌ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا. اهـ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ: هَذَا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَقْصُودَةً، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: ٢٣٦] إلَى قَوْله: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تُذْكَرْ لِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِهَا، وَإِنَّمَا قُصِدَ بَيَانُ رَفْعِ الْحَرَجِ عَمَّنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ، هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ إيجَابُ الْمُتْعَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ مَذْكُورٌ ابْتِدَاءً غَيْرَ مُعَلَّقٍ عَلَى الصِّفَةِ. اهـ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الْقِيَاسُ تَخْصِيصُ الْمُتْعَةِ لَهَا، لِأَنَّ الصِّفَةَ عُلِّقَ بِهَا حُكْمَانِ، فَاقْتَضَى انْتِفَاءَ الْحُكْمَيْنِ مَعًا بِانْتِفَائِهَا. وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: مَوْضِعُ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْأَوْصَافِ الَّتِي تَطْرَأُ وَتَزُولُ، كَقَوْلِهِ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» ، «وَالسَّائِمَةُ فِيهَا الزَّكَاةُ» . وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَطْرَأُ، وَلَا تَزُولُ، كَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، نَحْوُ: «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» فَفِيهِ خِلَافٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>